عمر كوش

تبدو القمة العربية، المزمع عقدها في العاصمة الليبية في يومي السابع والعشرين والثامن والعشرين من شهر مارس (آذار) الحالي، مختلفة عن سابقاتها في جانب عدم الاهتمام بها، وفقدان الحماس لانعقادها، وذلك من طرف قطاعات واسعة من العرب، سواء من طرف الأنظمة ذاتها أم من طرف أوساط عامة الناس.
ولا شك في أن ذلك يعود إلى ترسخ قناعة مفادها عدم جدواها ومحدودية تأثيرها، مع أنه لم تخلُ أي قمة عربية، عادية أو استثنائية، من تحديات ومخاطر وملفات ساخنة تواجه النظام العربي ذاته، وتؤثر على حياة الشعوب كذلك. وكان الترقب يسود، في كل مرة تعقد فيها القمة، للنتائج التي يمكن أن تتمخض عنها، وللقرارات والتوصيات المتعلقة بكيفية معالجة ومواجهة التحديات والمخاطر والملفات. وبعد انفضاض القمة، وأخذ الصور التذكارية، تأتي خيبة الأمل من قرارات الحدّ الأدنى، ويأتي التمني بألا تنعقد قمة عربية أخرى على الشاكلة ذاتها.
ولا شك في أن قمة طرابلس الغرب المقبلة تواجه تحديات كثيرة، وملفات ساخنة، وقضايا معقدة، ولكنها تواجه أيضاً احتمال عدم انعقادها، في ظل تباعد في الرؤى واختلاف أولويات وأجندات الأنظمة العربية الحاكمة. وبات الشغل الشاغل لوسائل الإعلام، في أيامنا هذه، هو: من سيحضر القمة؟ ومن سيغيب؟ وما مستوى التمثيل؟ فضلاً عن المماحكات والمناكفات التي رهنت المشاركة ومستواها بالأزمات.
وتعكس الأجواء السائدة حالياً حجم انسداد الأفق السياسي والاجتماعي، ومستوى البهتان الملازم للنظام العربي الرسمي منذ تأسيسه، حيث بات الإنسان العربي، عموماً، لا يعوّل كثيراً على القمة ومقرراتها، ولا على الجامعة العربية وتوصياتها، فهو يعلم جيداً أن الجامعة العربية ولدت مجهضة ومكبلة، وصار يتغنى بالانتخابات والممارسات الديمقراطية، التي تجرى في العديد من بلدان العالم، ويتحسر على غيابها في بلاده، وينظر انتظار laquo;غودوraquo; تغيير وإصلاح حياته المعيشية والاقتصادية والتعليمية، لذلك لم يعد بحاجة إلى أن تتسلى به القمم العربية، التي لم تلتزم بأبسط مقرراتها حول القضية الفلسطينية والعراقية، وقضايا الإصلاح والتنمية وسواهما من القضايا التي كانت تحظى بالإجماع العربي الرسمي.
عقدت قمم عربية عديدة، عادية واستثنائية، وتناولت ملفات مصيرية وضخمة وثقيلة، وعلى الرغم من اختلاف الظروف والمتغيرات، فإن الإنسان العربي أصيب بخيبات أمل عديدة، وصار يتساءل، بحق، عما إذا كان من الضروري عقد مؤتمر للقمة، غايته تنحصر في الخروج ببيان لا تلبي مقرراته الحدّ الأدنى من المطالب والاستحقاقات العربية. وهناك rlm;من يشعر بالإحباط، ويقرن اليأس في أحيان كثيرة بسوء الظن، لأن
ما صدر عن القمم السابقة من مقررات وتوصيات، على الرغم من ضحالته وضعفه، لم يجد طريقه إلى حيّز التطبيق والتنفيذ. ولا حاجة هنا للتذكير بما صدر عن القمم العربية التي عقدت في الدوحة ودمشق والرياض وبيروت وتونس والجزائر وعمان والرباط والقاهرة وسواها.
كما ساد اعتقاد بأن القمة العربية تمأسست، عبر تحويلها إلى حدث تشهده العواصم العربية بشكل دوري سنوي، وأن العمل العربي المشترك، ولو على المستوى التشاوري، قد حقق قفزة نوعية إلى الإمام، بعكس القمم غير الدورية، التي كانت تعقد حسب مقتضيات الظروف والحاجات، والتي كانت جداول أعمالها ومقرراتها مرتبطة بالظرفي والراهن إلى جانب عموميات أخرى. وعليه اعتبر بعض المهتمين بالشأن العربي أن الحفاظ على مبدأ دورية انعقاد القمة العربية في موعدها الربيعي هو أمر هام، شريطة ألا يكون المبرر الوحيد لانعقادها هو استنساخ ما جرى في قمة سابقة، أي حيث تسود الضبابية والاستقطابات والتجاذبات التي تعطل أعمالها، فضلاً عن الألغام والمطبات التي تسود اللقاءات والأجواء.
وكان الأمل معقوداً على الارتقاء بمستوى العمل العربي المشترك، لكن الخيبة كانت تسبق التوقعات في كل مرّة تنعقد فيها القمة، وتتأكد مع صدور مقررات كل قمة، التي تبقى مجرد حبر على ورق، وحيث لا يلمس الإنسان العربي فاعلية أيّ منها، فمحصول القمة شحيح- في كل مرة تنعقد فيها قمة- ولا يطاول حياة الإنسان العربي، فيما تزداد حالات التردي والانهيار، وتزداد الضغوطات والتحديات، وليس هنالك أي مسعى في التغيير نحو الأفضل، وخصوصاً أن القمم العربية تنتهي، في كل مرّة، كما بدأت بلا رؤى ولا مشاريع، فيما تستمر الأنظمة الحاكمة في حرمان غالبية مواطنيها من حقوقهم المدنية والسياسية.
وبرزت في السنوات القليلة الماضية تساؤلات عديدة حول جدوى القمم العربية ومستقبل النظام العربي، وامتدت التساؤلات لتطال نشأة الجامعة العربية، وما فعلته طوال مسيرة أكثر من أربعة وستين عاماً من عمرها، وما حققته من مكاسب للنظام العربي وللشعوب على مختلف الأصعدة، السياسية والاقتصادية والعسكرية، وسواها.
ولم تتمكن القمم العربية من النهوض بفعل ما يؤكد فعاليتها، أو يقنع إنسان الشارع العربي بذلك، بل وبالرغم من القمم العديدة، الدورية منها والاستثنائية، فإن الاستخفاف بقدرتها على تأكيد موقف عربي مشترك، والتمسك به وتنفيذه، ازداد بين أوساط شعبية واسعة، وحتى في الفترات التي بدت فيها الجامعة في أحسن أحوالها- وهي نادرة- فإنها كانت تخفي عللاً ومواطن خلل كثيرة.