عبدالله اسكندر

طاولة الحوار الوطني اللبناني، يُفترض ان تُعقد الأسبوع المقبل، في صيغتها الجديدة التي وضعها الرئيس ميشال سليمان. وهي صيغة استبعدت شخصيات، شاركت في الحوار الوطني السابق وضمت شخصيات جديدة. ويتركز الجدل حالياً، على ملاحظات وضعها مشاركون سابقون، من اتجاهات سياسية متعارضة على التشكيلة الجديدة، بما يخفي النيات المسبقة المتعلقة بجدول أعمال هذه الجولة من الحوار. وهنا بيت القصيد.

والمسألة لا تتعلق ببنود خلافية وبما يمكن ان يتفق عليه المحاورون، إذ سبق لهم أن اتفقوا على قضايا اساسية ومهمة، لا تزال حبراً على ورق برغم الإجماع عليها. وكان يمكن لتنفيذها أن يزيل كثيراً من عوائق التفاهم الداخلي ويؤسس لمرحلة من وحدة وطنية فعلية.

تتعلق المسألة أولاً وأخيراً باستثمار اختلال التوازن الداخلي على نحو يؤدي الى وضع لا عودة عنه، في ما يتعلق بمركز القرار في لبنان. وبدأت ظواهر ذلك في طبيعة ملاحظات تناولت الصيغة المقترحة للائحة الشخصيات المقترحة للمشاركة في طاولة الحوار، ومن التسريبات عن الردود على رئيس الجمهورية عندما سعى الى استمزاج رأي بعض القوى، خصوصاً laquo;حزب اللهraquo;، في هذه الصيغة.

من الواضح أن ثمة خلافاً عميقاً في البلاد، وإلا فلا معنى لطاولة الحوار. ومن المفهوم تمثيل جميع القوى اللبنانية في هذا الحوار. لكن الحملة السياسية العامة التي يقوم بها laquo;حزب اللهraquo; وحلفاؤه تبقي فسحة ضيقة للتعبير عن الخلاف وعلى انعكاس موقف الطرف الآخر في الحوار. لا بل ثمة اشتراط مضمر لحدود التعبير عن الرأي وللشخصيات المقبول منها مثل هذا الرأي.

فمن جهة، هناك السعي الى جعل هذا الحوار بمثابة منتدى سياسي لا يقتصر فقط على بنده الوحيد المُفترض وهو الاستراتيجية الدفاعية وموقع laquo;حزب اللهraquo; في قرار الحرب والسلم. واذا كان من الواضح ان سياسة الحزب في هذا المجال لا ترتهن بأي شكل بمثل هذا الجدل، ولا بأي سياسة دفاعية لبنانية رسمية، فإنها تسعى الى انتزاع إجماع، وإن كان صعباً، على هذا الواقع على طاولة الحوار، وما يمكن ان يستتبع ذلك من آثار على مجمل عمل مؤسسات الدولة وطبيعة اتخاذ القرار فيها.

من جهة ثانية، يبقى هذا الإجماع صعباً على طاولة الحوار. وسيلقى مسعى إبقاء قضية الحرب والسلم مع اسرائيل في يدي laquo;حزب اللهraquo; معارضة أكيدة على طاولة الحوار. واستباقاً لحجة القرارات الدولية ومسؤولية الدولة اللبنانية على اراضيها، ثمة مسعى الى نزع اي صدقية عن الذين يدعون الى حصرية قرار الحرب والسلم في المؤسسات الرسمية. فهم ليسوا، مجرد، حريصين على سيادة الدولة والوطن وتقوية القوى المسلحة اللبنانية وحسن سير المؤسسات.

ثمة تلميح تارة وتصريح تارة أخرى مفادهما ان هؤلاء يحملون اجندات غير وطنية وتخدم العدو، إن لم تكن تصب في الخيانة والعمالة. حتى إن مجرد اتصالات سياسية مع ديبلوماسيين أجانب، خصوصاً الأميركيين، يجعل من اصحابها مشبوهين بالعمالة لإسرائيل. واذا كان هؤلاء هم ما هم عليه، لا تعود مهمة معارضتهم لإبقاء قرار laquo;حزب اللهraquo; خارج إطار الدولة.

والسؤال يبقى عن فائدة هذا الحوار الوطني. انه تعبير عن مدى اختلال التوازن الداخلي لمصلحة طرف في معادلة الخلافات الداخلية، وعن قدرة هذا الطرف على الانتقال الى مرحلة ثانية في تعميق هذا الاختلال وانتزاع الاعتراف الكامل بنتائجه.