محمد كريشان

قبل يومين فقط قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية رامين مهمان برست إن 'استخدام أية مفردة مزورة للخليج الفارسي أمر مرفوض من قبل الجمهورية الإسلامية الإيرانية' مشددا على أن لهذا الاسم جذورا تاريخية ولهذا فإن بلاده ترفض إطلاق أي اسم مغاير. هذا الموقف الذي تكرره إيران باستمرار جاء هذه المرة بعد ما شهد احتفال السفارة الكويتية بيوم العيد الوطني توزيع منشورات 'تحمل الاسم المزور للخليج الفارسي' أي عبارة الخليج العربي.
الطريف هذه المرة، إن جاز استعمال مفردة الطرافة في هذا السياق، أن المسؤول الإيراني نفسه أضاف بأن ما تتوقعه إيران من الدول الشقيقة والصديقة في المنطقة هو الاهتمام بمواضيع أكثر أهمية مثل الذي تشهده منطقة الخليج الفارسي والشرق الاوسط، بدلا من تناول هذه القضايا الهامشية التي لن تؤدي سوى إلى سوء الفهم ومسائل تثير حفيظة الشعب الإيراني ازاء سيادته الوطنية وقيمه'. هذا الكلام كان يمكن أن يكون مناسبا توجيهه إلى طهران أكثر من الدول العربية المجاورة ذلك أن إيران تبدو أحيانا مشغولة بموضوع تسمية الخليج فارسيا هو أم عربي بما لا يقل عن اهتمامها بالتهديدات المحدقة بها حاليا بسبب برنامجها النووي. ما الذي تعنيه أصلا حقيقة التسمية ومدى وجاهتها التاريخية أو الجغرافية إن كان هذا الخليج مهددا الآن في استقراره وسلامته؟!! وما الذي تغيره هذه التسمية أولا أو أخيرا إن اشتعلت المنطقة بنيران حرب محتملة ستدمر هذا الخليج وليكن فارسيا أو عربيا لا يهم كان هذا هو المصير البائس هو الذي ينتظره؟!!.
أكثر من ذلك، نفس المتحدث يقول إن ' أي عمل أو قرار يؤدي الى إبعاد الدول الإسلامية عن بعضها ويزرع بينها جذور سوء الفهم فإنه سيؤدي الى إلحاق الضرر بشعوب المنطقة ويصب في صالح أعداء العالم الإسلامي'. ألا يفترض أن تكون طهران الأكثر وعيا بذلك وهي من تحتاج في هذه الفترة بالذات إلى أوسع إسناد لمواقفها في وجه تحالف دولي يتشكل تدريجيا ضدها ولم تبق خارجه من الدول الكبرى حاليا سوى الصين؟!
في حديث أخوي ذات مرة حول مائدة غداء قال أحد الكتاب والناشطين الإيرانيين لمجموعة من الصحافيين العرب مازحا ألا يكفيكم بحر العرب وشط العرب والجزيرة العربية حتى تنافسونا على تسمية الخليج الفارسي وتريدونه عربيا تعسفا؟ قد يكون الرجل محقا وقد تكون التسمية التاريخية الأعرق هي فعلا الخليج الفارسي ولكن ما القيمة الفعلية للمسألة برمتها حتى تجعل منها طهران هاجسا حقيقيا؟ وما الإشكال في أن يطلق العرب على الخليج التسمية التي يرون وأن تطلق طهران وبقية العالم التسمية التي يرون؟ هل سيتحرك الخليج من مكانه بفعل هذه التسمية أو تلك؟! وإذا لم تكن القضية مضخمة أكثر من اللازم حتى باتت عنوان نخوة تاريخية وقومية فما الذي يمنع من الاتفاق على تسمية الخليج العربي الفارسي أو الإسلامي كما اقترح ذات مرة أمير قطر فإذا بكلامه يستهجن وكأن الرجل اقترح تسميته بالخليج الصهيوني؟!!
طهران لا تقبل المزح في هذا الموضوع لا على الخرائط كما فعلت في أزمتها مع مؤسسة 'ناسيونال جيوغرافي'، ولا مع شركات الطيران المتجهة إلى بلادها، أو حتى العابرة لأجوائها كما هدد مرة أحدهم، ولا مع التظاهرات الرياضية في بلادها وخارجها كما فعلت مع قطر في الألعاب الآسيوية التي احتضنتها عام 2006. أكثر من ذلك، عندما دعت الدوحة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد للقمة الخليجية الثامنة والعشرين، كتب موقع رئاسة الجمهورية للإعلام الرسمي أن 'هذه المرة الأولى التي يدعو فيها مجلس تعاون الخليج الفارسي رئيس الجمهورية الإسلامية للمشاركة في اجتماع رؤساء الدول الأعضاء في مجلس تعاون الخليج الفارسي بصفة مراقب وضيف' أي أن هذا الموقع الرسمي استكثر حتى ذكر الصفة الرسمية للمجلس وهي مجلس التعاون لدول الخليج العربية مع أن صفة العربية الأخيرة تعود إلى الدول وليس إلى الخليج الذي ظل معلقا بدون تعريف بسبب المعضلة إياها تحديدا!! فمتى تخرج طهران مما سمته هي نفسها بـ'القضية الهامشية'؟!