سليمان الهتلان


من أعز وأغلى الهدايا التي قدمها لي أخي وصديقي الأديب محمد خليفة بن حاضر هي معرفة شيخ شهم ورمز من رموز الإمارات هو الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان. كنت مثل العشرات غيري من مثقفين وكتاب وإعلاميين أسمع كثيراً عن نبل الشيخ نهيان ووفائه وكرمه وبره بوالديه ومحبته للناس ومحبة الناس له. وما دخلت بيتا في دولة الإمارات إلا وجاء الحديث على وفاء نهيان وركضه الدؤوب لخدمة الناس. أقسم لي صديق من أهل دبي أن نهيان بن مبارك يتواصل مع كبار السن في عائلته بالزيارة والمعايدة ومتابعة أحوالهم أكثر مما يفعل الأبناء والإخوان والأقارب. قال ذلك الصديق: حتى في تواصلنا مع الأقارب من أهلنا لا نستطيع مجاراة الشيخ نهيان في تواصله وزياراته وسؤاله. ورأيت بنفسي كم يمتلئ مجلس الشيخ بالعشرات من شيوخ القبائل ومن مثقفين، من أهل الإمارات وخارجها، ومدراء جامعات ودبلوماسيين ورجال أعمال وعابري سبيل. والكل في مجلس نهيان ضيفاً كريماً عزيزاً يحظى بسؤال وعناية الشيخ النبيل الذي جمع بين ثقافة منفتحة على العالم كله، شرقه وغربه، وبين أصالة أجدادنا وعادات شيوخنا في الكرم وطيب الاستقبال وحسن المعشر.
ذهبت يوماً لزيارة والدي في حدود أبها وما أن دخلت مجلسه حتى بادرني أبي وجمع من أعيان القبيلة بالأسئلة عن الشيخ الذي تناقل البدو والحضر، في الجزيرة العربية وخارجها، أخباره ومناقبه ونبله ووفاءه. رأيت والدي، وهو الذي لم يعلق صورة أو لوحة في مجلسه، وقد علق في واجهة مجلسه صورة كبيرة جمعته بالشيخ نهيان. مازحت أبي وسألته عن سر تعليقه صورة الشيخ في مجلسه فرد بصرامة أهل الجبل: كم في الديار من أمثال نهيان بن مبارك؟ وبعدها بأيام، كنت في زيارة خاطفة لواشنطن وما كدت ألتقي بإعلامي أو سياسي هناك إلا ويحضر اسم الشيخ نهيان بذات الإعجاب والتقدير. لكن الأبرز في صفات الشيخ نهيان هو ذلك الوفاء العظيم الذي أصبح مثالاً نادراً في زمننا لبر الابن بأبيه ولو كتب مجلد كامل في بر نهيان بن مبارك بوالده ومواقفه مع المرضى وكبار السن في بلاده وخارجها لما كفى لتدوين سيرة إنسانية نادرة في زمان سيطرت الأنانية فيه على تعامل الناس ورؤيتهم لأنفسهم ولمن حولهم. هكذا يسطر نهيان بن مبارك واحدة من أروع صور البر بالوالدين وهو الذي ظل سنداً لوالده الكريم في مرضه الطويل حتى ووري جثمانه الطاهر في مقبرة البطين بأبوظبي قبل أيام. ئرحم الله الشيخ مبارك بن محمد آل نهيان فحق لابنه البار الشيخ نهيان وللإمارات - بل لمنطقتنا كلها - أن تنعيه وتحزن على فقده كيف لا وهو أحد الأركان الرئيسة التي أسست لدولة الاتحاد الحديثة وهيأت للإمارات العربية المتحدة أن تحقق ما حققته اليوم من تميز وريادة عالميتين. وكيف للإمارات ألا تنكس الأعلام لفقده وقد كان من أهل كلمة الحسم في وقفته الوطنية مع الشيخ المؤسس العملاق زايد آل نهيان؟ وكيف لا نحزن لحزن الشيخ نهيان وأهل الإمارات وقد أسهم الراحل - مع أبناء جيله - في ترسيخ ثقافة رائدة جمعت بين الانفتاح الواثق على العالم مع المحافظة الأكيدة على قيم وعادات إنسانية رائعة في التواضع والتواصل ومحبة الناس. وفي غمرة الحزن الذي يعيشه الشيخ نهيان بن مبارك - وهو بمثابة الأخ الأكبر لي منذ عرفته - لا بد أن أذكّره بأن وقفته الباره مع أبيه الراحل لسنوات طويلة ستبقى نبراساً إنسانياً لشباب منطقتنا ونموذجاً من النماذج الإنسانية النادرة في زماننا وتلك المواقف الإنسانية، على ندرتها في عصر هيمنت فيه الماديات على كل حركة، ليست غريبة على رجل نذر نفسه ووقته وطاقته لخدمة الناس وزيارة المرضى والوفاء بالأصدقاء وذوي القربى. ليست من المبالغة أن نقول إن محبة الشيخ نهيان للناس ومحبة الناس له تشكلان ما يمكن أن يكون أقرب للأسطورة خصوصاً في ظل مشاغل الشيخ ومسئولياته الكبيرة. ففي الوقت الذي يقود فيه باقتدار وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في دولة الإمارات فهو أيضاً من رجال الأعمال الناجحين في بلاده ومجلسه مفتوح للجميع على مدار الأسبوع، حيث يمكن أن تقابل هناك وزيراً عربياً زائراً أو مدير جامعة أمريكية في زيارة للمنطقة أو شيخاً من شيوخ قبائل الجزيرة العربية أو رجل أعمال أو شابا صغيرا جاء لشكر الشيخ على وقفة من وقفاته الإنسانية النبيلة. ولك أن تسأل: كيف يجد الشيخ نهيان كل هذا الوقت للناس ولمشاغله والتزاماته؟ تلك هي الإرادة الجادة والعزيمة القوية التي ميزت الشيخ نهيان وهي لنا اليوم ضرباً من ضروب التميز والتفوق وكسب محبة الناس.
فيا أيها الشيخ النبيل الكريم الوفي، لك ولنا أن نحزن على فقدك - فقدنا كلنا - والدك - والدنا - الشيخ مبارك بن محمد آل نهيان. لك ولآل نهيان الكرام وأهل الإمارات أجمعين هذا الحزن على فقد أحد رموز الجيل الذي أسس لهذه الوحدة الرائعة ولهذا المنجز العملاق. ولك - أيضاً - أيها الأخ الصديق الوفي أن تعلم أنك ببرك ومحبتك لوالدك الكريم، وبوقفاتك التي لا تعد ولا تحصى مع الناس من كل حدب وصوب، قد سطرت بسيرتك ومسيرتك أروع أمثلة الوفاء والنبل والبر.
رحم الله والدك (ووالدنا) الشيخ مبارك بن محمد آل نهيان..