عبد الرحمن الراشد

كل من شاهد البخار المتصاعد في الجدل بين وزير الخارجية السوري وليد المعلم والأمين العام للجامعة العربية في اجتماع وزراء الخارجية العرب، يدرك أن القضية كبيرة ومهمة.

الدكتور عمرو موسى يريد موافقة الوزراء العرب على تفويض السلطة الفلسطينية إجراء مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل، والوزير السوري يعترض بحجة أن ليس للجنة الوزارية، أو الوزراء الجالسين، علاقة بذلك وإنه شأن فلسطيني.

فعلا، نظاميا هو على حق، لأن عشرات المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين لم يستأذن أحد بإجرائها، فكيف عندما تكون مفاوضات غير مباشرة؟

الحقيقة أن السلطة الفلسطينية ارتكبت خطأ كبيرا قبل سنة عندما أعلنت على الملأ أنها لكي تفاوض إسرائيل، فعليها أن توقف الاستيطان، ووافقتها الإدارة الأميركية التي لم تستطع وقف الاستيطان تماما. هذا الاشتراط خدم الإسرائيليين المتطرفين، لأنهم لا يريدون مفاوضات، وفشل الرئيس الأميركي المتحمس باراك أوباما، وتنفس الصعداء رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، فوقف التفاوض واستمر الاستيطان.

من قبيل الحياء وستر الفضيحة أرادت القيادة الفلسطينية غطاء للتراجع والتفاوض، فطلبت إذن الجامعة العربية وأصرت على جلوس الأميركيين معها في غرفة التفاوض، وبالتالي تكون قد حققت أمرين: الأول أنها تفاوض بموافقة الدول العربية، والثاني أنها لم تمارس التفاوض مباشرة.

البحث عن بطانية عربية عادة فلسطينية منذ أيام الراحل الرئيس ياسر عرفات، تعلمها من اغتيال الرئيس المصري الراحل أنور السادات الذي اغتيل رغم انه مارس حقه كرئيس دولة ذات سيادة. وحتى عندما حصل عرفات على معظم مطالبه في مفاوضات عام 2000، مع باراك وكلينتون، إلا انه انسحب في اللحظة الأخيرة لأن كل الدول العربية الرئيسية تحاشت أن تمنحه الغطاء وقيل له اذهب وفاوض أنت لوحدك. ففضل عرفات خسارة إقامة الدولة الفلسطينية على المخاطرة.

الوزراء العرب مشكورين منحوا الرئيس محمود عباس الغطاء، فعلوها على عجل، وتمتم موسى بهذا التنازل قائلا: هذه آخر مرة ستكون هناك مفاوضات.

ومع معرفتنا للوضع السياسي الصعب الذي يواجه السلطة الفلسطينية إلا أن عليها أن تعرف أن أي تفاوض يتطلب تنازلات، وسيعني أن عليها أن تواجه جمهورا غاضبا لاحقا، وستواجه أطرافا عربية معادية تحرض عليها. وسيواجه رئيس وزراء إسرائيل كذلك المشكلة نفسها، حيث ستعارض الصلح شريحة من المتطرفين اليهود، وسيحرضون ضده، ولا تزال ذكرى اغتيال إسحق رابين ماثلة في الذهنية الإسرائيلية. لكن الواجب القيادي والسياسي يفرض على الرئيس الفلسطيني ألا يضع في حسبانه إلا أمرا واحدا هو خدمة شعبه، بغض النظر عما يقوله بعض العرب أو الفلسطينيين. الثقل على كاهل الرئيس عباس كبير جدا، إنما هذه هي واجباته القيادية، أن يفعل ما يعتقد انه في مصلحة فلسطين أو عليه أن يتنحى. والرئيس عباس يقف أمام أفضل فرصة لم تحصل في زمن كل الرؤساء الأميركيين منذ عهد جيمي كارتر، ورغم صعوبة الموقف إلا أنه أهون مما واجهه سلفه الرئيس عرفات. أوباما تعهد برعاية مفاوضات لا تتعدى عامين يعلن في نهايتها إقامة الدولة الفلسطينية، والأوروبيون تعهدوا بإعلان دولة فلسطينية من على منبر مجلس الأمن لو عطلت إسرائيل الحل السلمي.