فاتح عبدالسلام

لا يخفي علي أحد اندفاع العراقيين الشديد نحو صناديق الاقتراع ليخالفوا ما حدث من مقاطعات في الانتخابات الماضية وها هي المفوضية quot;المستقلةquot; تقول: ان نسبة المشاركة للعراقيين كانت raquo;62.4laquo; في حين انّ نسبة التصويت في انتخابات عام 2005 كان حسب المفوضية نفسها اكثر من raquo;76laquo;. هذه الاحصائيات المتناقضة الخاضعة لارهاصات سياسية سادت أيام الانهيار الأمني الطائفي تشير بقوة الي صفحة سوداء من حياة العراق يجب أنْ يتم طيها إلي الأبد. ويجب أن يدفع المشرّع العراقي الي الواجهة هيئات مستقلة ذات سمة قضائية لا تخضع في اي من مستوياتها القيادية أو الوسطية أو الدنيا الي الاعتبارات السياسية.
أخرج من المحيط العراقي الي عيون الخارج الراصدة من بعيد وقريب وأمامي نموذج في التحليلات الامريكية لما يجري داخل العراق من اوضاع انتخابية وسواها.. حيث كتب باحث أمريكي هو يون كول، علي موقعه الالكتروني بعد ساعات من الفرز الأولي لنتائج الانتخابات العراقية يقول: ان هناك صراعاً بدأ يتضح بين جناحين في العراق. الأول قومي يتزعمه اياد علاوي يرغب بالتقرب الي المحيط العربي والثاني جناح معادٍ للحركة القومية وموال لايران يتزعمه نوري المالكي. ورأي الباحث المعروف والمعني بشؤون الشرق الأوسط ان هذه الحالة تشبه تماماً حالة العراق في ثلاثينات القرن الماضي عندما نال العراق استقلاله من الاستعمار البريطاني مباشرة. حيث رفضت حكومة حكمت سليمان 1936 ــ 1937 التوجهات القومية العربية وأقامت علاقات وطيدة مع ايران. كان حكمت سليمان تركمانياً وعمل في ظل الحكم الديكتاتوري للسياسي الكردي بكر صدقي. ويمضي الباحث الامريكي الي القول quot;هناك شعور بأنّ تحالف المالكي ــ طالباني خلال السنوات الأربع الماضية يعيد الي الحياة مفاهيم جيوسياسية عديدة لفترة سليمان ــ صدقيquot;.
لا يمكن اعادة صفحات عراقية سابقة لكن التيارات التي تتحرك داخل العراق خلال قرن من الزمن متشابهة في تحولاتها وعلاقاتها ومواقفها ومتناقضة في محتوياتها.
وبعد احتلال العراق كان الجو معبأً لضرب اي تيار قومي علي اعتبار ان البعث كان وليد القوميين أساساً ولابدّ من نبذ التيار ومواليده معبأ. ليتفاجأ العراقيون بوليد جديد ــ قديم هو الأحزاب الدينية غير المنتجة عراقياً علي نحو كامل، تتصدر المشهد وتقود البلاد تحت وجود القوة الامريكية المحتلة في تعايش مثير للدهشة وصفه المراقبون بأنّه شهر عسل قصير الأمد وقال آخرون انه زواج متعة.
لكن أمريكا التي علي طريق الانسحاب من العراق اليوم ستتفاجأ بالعراق الذي تتركه خلفها.. لأنها لم تكتشف هذا العراق حتي الآن.