ندى سليمان المطوع

في الوقت الذي تلتقي فيه أغلب المنظمات التي تُشكل على أساس إقليمي، كالاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، في آليه تحديد تخصصاتها تفاعلاً مع الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية في ظل المصالح المشتركة، نجد أنها تختلف حول استراتيجية احتواء النزاعات والقضايا. أقول ذلك بعد متابعتي 'ماراثون' الاجتماعات التي عقدت تحت مظلة جامعة الدول العربية خلال الأسبوع الماضي، تداخلت من خلالها القضايا والأولويات، وظهرت بوادر غياب التنسيق فيما بين مندوبي الجامعة وأعضاء لجنة مبادرة السلام العربية، حتى اختتمت اللقاءات باجتماع وزراء الخارجية العرب الذي قام بدوره بترحيل القضايا إلى القمة المقبلة المرتقبة.

ومن خلال متابعتي للاجتماعات، التي دشنت الدورة الثالثة والثلاثين بعد المئة، شعرت أنها بعيدة كل البعد عن تحديد استراتيجية مستقبلية ومحكمة لقيادة الدول العربية نحو إغلاق ملفات القضايا التاريخية العالقة، التي أصبحت ثوابت في الاجتماعات كافة، وتطلعت إلى أن يحتوي نظام الجامعة على إدارة للتنسيق والمتابعة والتفاوض واحتواء الخلاف حول القضايا المصيرية 'mediation amp; maintenance'، وهي الاسترتيجية التي اخترت أن أطلق عليها 'Mamp;M' التي تختص بالبحث عن مراكز القوة والضعف في المؤسسات الإقليمية والدبلوماسية. وعودة إلى السبل المطروحة لحماية مسار الجامعة من الوقوع في مأزق عدم الإنجاز والغرق في القضايا التي أثقلت كاهل البيانات الختامية، وأبرزها 'القضية الفلسطينية'، نجدها قد تصدرت أجندة اجتماع 'لجنة السلام العربية'، وهي اللجنة التي تأسست على هامش مؤتمر بيروت عام 2002، الذي انطلقت منه مبادرة الملك عبدلله بن عبدالعزيز للسلام- الذي كان وليا للعهد آنذاك- وتضم اللجنة اليوم عدداً من الدول العربية، منها الشق الخليجي المتمثل في البحرين وعمان والمملكة العربية السعودية والإمارات واليمن وقطر التي ترأست الاجتماع، بالإضافة إلى الأردن وسورية ولبنان بحكم 'جوارها' للأراضي المحتلة ،أما من قارة إفريقيا فضمت الجزائر والسودان والمغرب. واليوم، وبعد خضوع عملية السلام لـ'دبلوماسية التغيير' كتوقيع اتفاق أوسلو عام 1993 الذي حصلت المنظمة من خلاله على حكم ذاتي في الضفة الغربية وقطاع غزة وأسفر عن تكوين سلطة فلسطينية، وتم بعده 'افتراضا' إيقاف الصراع بين منظمة التحرير وإسرائيل، وتوقيع معاهدة 'وادي عربة' للسلام بين الأردن وإسرائيل، و مؤتمر 'واي ريفر' عام 1998، ومؤتمر 'كامب ديفيد' عام 2000، تأخذ الجامعة العربية على عاتقها 'بعجز' تارة و'بحذر شديد' تارة أخرى تحريك مبادرة السلام ومحاولة إعادة إطلاق عملية التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين، على أمل الوصول إلى التأييد الدولي.

ولا نملك إلا أن نتساءل، لماذا تتعثر جهود الجامعة في احتواء الأزمات؟ هل السبب كامن في افتقارها إلى التخطيط الاستراتيجي السليم؟ أم بسبب خلل في أساليب الإدارة الدبلوماسية الفاعلة؟

أعتقد أن السبب الرئيس وراء ضعف الأداء يكمن في خضوع بعض المنظمات الإقليمية والإدارات الدبلوماسية لنظام إداري غير محفز للطاقات والقدرات التي تتسم بروح المبادرة والتجديد، وقد يكمن الحل في إعادة تصميم الهيكل الإداري بالشكل الذي يجمع بين صناعة القرار والتوثيق والإدارة الاستراتيجية الفاعلة. بالإضافة إلى توافر الأدوات السليمة لقياس الإمكانات والقدرات الإدارية والدبلوماسية.

الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، يعتمد على اللاعب الداخلي في صناعة القرار من خلال الوحدات الإدارية الداخلية التي تجمع الإداريين والدبلوماسيين من أعضاء اللجان المتخصصة، حيث لا تقف أنشطتهم عند تجميع المعلومات فحسب، إنما تمتد إلى عملية اتخاذ القرار، والسعي إلى تقريب وجهات النظر، ووضع خارطة إنجاز خاضعة للنقد والمحاسبة.

خلاصة الحديث: أعتقد أننا في العمل السياسي والإداري والدبلوماسي أيضا نفتقر إلى الرغبة في صياغة رؤية وتحديد أهداف واقعية تتماشى مع قدراتنا، ومن ثم تصميم استراتيجية وتوظيف متغيرات الواقع وتفعيل عناصر التميز. ولم تكن مقارنتي بالاتحاد الأوروبي إلا لاعتقادي بأن النظام الإقليمي العربي غير معزول عن النظام العالمي ويسري عليه ما يسري على النظام العالمي من متغيرات وتبعات ونتائج.