د. عبد العزيز الصويغ
بالرغم من تعهّد بنيامين نتنياهو لواشنطن بأن حكومته تعمل من أجل السلام وموافقته على استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين سواء بشكل مباشر أو عبر واشنطن إلّا أن الحقائق على الأرض تقول بغير ذلك، فلا يمرّ يوم ولا مناسبة إلّا وتبرهن إسرائيل عن بُعدها عن كل ما يمتّ للسلام بصِلة: فلم يمض أسبوع واحد بين موافقة laquo;اللجنة الوزارية لمتابعة مبادرة السلام العربيةraquo; منح جهود الوساطة الأمريكية فرصة أخرى لإعادة إطلاق المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية حتى جاء الرّد العملي من إسرائيل على هذه الخطوة بإعلانها بناء ألف وستمائة مستوطنة في القدس، وقبل ذلك اجتاحت القوات الصهيونية المسجد الأقصى وأطلقت الرصاص الحيّ على المصلّين كردّ عملي على إعلان العرب الموافقة على محادثات غير مباشرة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل. ولا تمرّ جمعة إلّا وتتجدد المواجهات والصدامات بين المقدسيين وجنود الاحتلال ويمنع الجنود الغالبية من الفلسطينيين من دخول المسجد للصلاة. وهاهي اليوم دبابات إسرائيلية تجتاح الأراضي اللبنانية في عمل استفزازي جديد للعرب وللعالم وللسلام الذي أصبح مضغة في فم قادة إسرائيل يعلكونه استهلاكا للوقت .. عندما يأخذون هدنة من علك مزيد من الفلسطينيين في حروب الإبادة المتواصلة ضد الشعب الفلسطيني. ولم تتحرج الحكومة الإسرائيلية عن الإعلان عن خطتها لمواصلة بناء مزيد من المستوطنات غير الشرعية في الأراضي المحتلة مع كل زيارة لمسؤول دولي إلى المنطقة ولم تستثن من ذلك نائب الرئيس الأمريكي جون بايدن صديقها الصدوق الذي أعدّت له استقبالا استثنائيا يتناسب مع مواقفه المؤيدة لإسرائيل وذلك بالإعلان عن بناء 1600 مستوطنة في القدس الشرقية؟! وقد كانت استجابة نائب الرئيس الأمريكي لحسن الاستقبال بإعلان بايدن بشكلٍ غير قابلٍ للتأويل بأنّه كاثوليكي أكثر من قداسة البابا، وصهيوني أكثر من هرتسل، وتأكيده على أن الإدارات الأمريكية المختلفة، مهما تغيرت، تقف مع إسرائيل laquo;كتفاً إلى كتف.raquo;
إن زيارة نائب الرئيس الأمريكي للمنطقة لا تتعلق في رأينا في حثّ إسرائيل على إقامة سلام مع جيرانها العرب بل لتنسيق مواقف كل من واشنطن وتل أبيب حول laquo;الخطر النووي الإيرانيraquo; من جهة، وإقناع الجيران العرب بأولوية مواجهة الخطر الإيراني الذي يهدد المنطقة. وقد شدد بايدن على أن اتخاذ الدول العربية موقفا تجاه المشروع النووي الإيراني سيؤدي إلى دعم جهود السلام laquo;ويفتح الباب أمام مبادرات سلام إضافيةraquo;.
وإذا كانت صحيفة الفاينانشيال تايمز قد وصفت توقيت إعلان بناء مساكن جديدة أثناء زيارة بايدن لإسرائيل بأنه يمثل laquo;لكمة على وجههraquo; من مضيفه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فإن الواقع العملي يقول : إن السلام الإسرائيلي شعار ترفعه الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة دون أن يعني جدية حقيقية، وأن laquo;المفاوضاتraquo; لعبة إسرائيلية ndash; أمريكية لإضاعة الوقت، وبأن تراجعات الرئيس اوباما المتوالية تؤكد أنه laquo;بدون عضلات في الشرق الأوسطraquo;.
إن الولايات المتحدة تكذب على العرب اليوم كما كذبت يوم وقف وزير خارجيتها الأسبق كولين باول وهو يحمل أنبوبا زجاجياً يؤكد أن فيه الدليل على امتلاك عراق صدام حسين لأسلحة دمار شامل تهدد المنطقة والعالم. ولم تكن زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية التي سبقت زيارة نائب الرئيس الأمريكي ولا جولات ميتشال المتعاقبة ndash; كما يبدو ndash; تتعلق أو مهتمة كثيرا بتحقيق السلام بين العرب وإسرائيل بل بإقناع الدول العربية بالخطر الإيراني على المنطقة .. أما غير ذلك فمجرد كلام في الهواء اعتدنا عليه من الإدارات الأمريكية المتعاقبة وصدّقَه بعضنا.
التعليقات