علي حماده

لا يختلف اثنان على ان ميشال سليمان ليس اميل لحود. فالثاني كان موضع خلاف كبير في البلاد ليس بسبب خياراته quot;الوطنيةquot; بل بسبب مسلكه السياسي، فقد بدأ عهده بحملة قضائية برمجتها له الأجهزة الأمنية للانقضاض على القوى السياسية الفعلية في البلاد، ثم حاول الإيحاء أنه الرئيس القوي الذي لا يبغي شيئا لنفسه، فانتهى معزولاً في بيئته وغالبية البيئات ولا يزال. تسببت رغبته في تعديل الدستور قسرا للبقاء في سدة الرئاسة باخطر الانقسامات، وبأزمة سياسية لم يسبق لها مثيل بدأت بالضغط على المعارضة الاستقلالية وانتهت بمسلسل اغتيالات امتدت اربع سنوات. ولما غادر القصر الرئاسي اطلقت السهام والمفرقعات في معظم المناطق اللبنانية تهليلا لانتهاء الولاية الممددة، وغرق قصر بعبدا في ظلمة الفراغ لأكثر من ستة اشهر. وإذا كان بعض القوى يسمي لحود الرئيس quot;المقاومquot; فترجمة ذلك عمليا انه شكل نموذجا نادراً في الحياة السياسية ساهم في كسر توازنات البلاد، فانتهى لبنان اسير اختلال خطير في التوازنات بفعل غلبة مشروع الدويلة على مشروع الدولة وغرق الوصاية السابقة في مشروع تذويب منهجي للبنان. ولعل تعيين معيار النجاح او الفشل لكل عهد يحتاج الى مدة بعد انتهائه لحسمها، إلا ان عهد لحود مات في اشهره الاولى ودام تسع سنين عجاف.
في حالة الرئيس ميشال سليمان الذي تعرض قائداً للجيش خلال عهد لحود لمحاولات تحقير مستمرة، قال بعضهم في المدة الاخيرة ان عهده اليوم يبدو وكأنه في اسابيعه الاخيرة. وقيل هذا الكلام للمرة الأولى على ابواب منزل لحود تحديدا. وأخذ على سليمان انه لا يحسم خياراته لأنه توافقي، ولانه لا يصطف خلف خيار ما يسمى quot;مقاومةquot; من دون لبس كما اصطف سلفه الميمون لتسع سنين. وقيل ان سليمان دعا الى طاولة الحوار ردا على quot;قمة الحرب الثلاثيةquot; في دمشق التي ضمت الى رئيسي ايران وسوريا قائد حزب لبناني يمتلك خمسين الف صاروخ على ارض لبنان ويوظفها في سياق اجندة خارجية لا راي للبنانيين فيها. وهذه مصدر أخطر الانقسامات الوطنية لأنها اسست لقيام لبنانين أحدهما مسلح ينمو ويتمدد بلا ضوابط عليه، وآخر أعزل ينحشر في سجن لبناني متوسط من ضمن سجن عربي كبير! واكثر من ذلك يؤخذ على سليمان انه لا quot;ينسقquot; كفاية مع قيادة ما يسمى quot;مقاومةquot; ولا مع الحكم في سوريا، ويلبي دعوات لزيارة دول يصير كل رئيس يزورها موضع شبهات مثل الولايات المتحدة وفرنسا وغيرهما، ويطوف في العالم اسوة بأسلافه رؤساء لبنان قبل 1975. وكان سلف سليمان أمضى ثلاثة ارباع عهده معزولا في الخارج، وعومل في نهاية عهده كما يعامل اليوم قادة الديكتاتورية العسكرية في بورما ndash; ميانمار في جنوب شرق آسيا.
بدأت حملة على سليمان وتشرف على الانتهاء في مرحلتها الحالية. وهي تضمر مجموعة رسائل داخلية وخارجية موجهة الى رئيس يراد ان يكون على صورة سلفه. ومع ان كل الاطراف تنصلوا منها، فإن المهم اليوم ألا تتسبب باستضعاف سليمان نفسه لأنه من الناحية العملية اقوى مما يعتقد بعضهم. فهو الرئيس الذي يمثل نقطة توازن دقيقة في البلاد. واسلوبه في ممارسة سلطاته وصلاحياته ينطوي على الكثير من القوة على رغم قول بعضهم في معرض زعمهم انهم يطالبون بإعادة صلاحيات الرئاسة انه ضعيف. وقوة الرئاسة اليوم لا تكمن في الصلاحيات المفقودة في quot;الطائفquot; ولكن في حسن ادارة التوازنات وتجنيب البلاد ما أمكن من الخضات، وفي الوقت عينه محاولة تغليب الرهان على الدولة ومؤسساتها واهمها اليوم الجيش الذي ينمو ببطء ولكن بثبات. والقوة لا تنبع من الاستسلام الكامل لما هو خارج الدولة، على رغم ان البندقية الفئوية خلخلت معايير البناء المؤسسي وطنيا.
الرئيس ضعيف؟ لا. بل الرئاسة شأنها شأن باقي المؤسسات في الدولة. فهل الحكومة حكومة؟ وهل الجيش جيش؟ وهل القوى الامنية قوى امنية؟ وهل القضاء قضاء؟ بالطبع لا، ما دام في لبنان السلاح الفئوي الذي يسلس قياد البلاد للخارج موسّعا الصدوع والاختلالات الداخلية التي جعلت كثيرين في هذه البلاد يغبطون كرد العراق على حكمهم الذاتي!