علي إبراهيم
لا بد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو, وكذلك كبار مساعدي الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي شاركوا في إدارة سلفه الديمقراطي كلينتون، يتذكرون المعركة التي جرت بين الجانبين في التسعينات عندما نجح كلينتون في إقصاء نتنياهو بالتوجه إلى الرأي العام الإسرائيلي مباشرة.
بعدها سار بيل كلينتون في طريق طويل من المفاوضات الماراثونية, وصلت ذروتها بمفاوضات كامب ديفيد بين الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي وقتها إيهود باراك التي ارتفعت معها الآمال باتفاق وشيك ثم فجأة انفضّ المولد, وتبادلت الأطراف الاتهامات ثم تفجرت الانتفاضة الثانية التي أخذت شكلا مسلحا, ومن وقتها لم يحدث تقدم حقيقي في عملية السلام, وعلى العكس تهدمت أو قُلّصت مؤسسات السلطة, وانتهى الوضع على ما هو عليه اليوم.. حماس في غزة والسلطة في رام الله, والاستيطان يتزايد, والحقوق الفلسطينية تتراجع.
وخلق ذلك جوا من اليأس والإحباط تظهره استطلاعات الرأي, فالفلسطينيون لا يثقون في أن حل الدولتين سيتحقق في المستقبل المنظور, كما لا يثقون بنيات إسرائيل وحكوماتها, ورؤيتهم للمستقبل متشائمة وكذلك الرأي العام الإسرائيلي الذي ضعف وسطه تيار السلام, وأصبحت وجهات النظر اليمينية لها اليد العليا، ويظهر ذلك في القضية المتفجرة وهي الاستيطان.
في هذه الأجواء السلبية تأتي جهود إدارة أوباما للوصول إلى السلام في الشرق الأوسط, وهي جهود تأخرت دون أي مبادرات مثمرة في العام الأول للإدارة، ثم عندما بدأت تأخذ زخما أخيرا اصطدمت بالموقف الإسرائيلي من قضية الاستيطان في القدس الشرقية التي أحرجت نائب الرئيس الأميركي جو بايدن خلال زيارته الأخيرة لإسرائيل بما فجر الأزمة الحالية في العلاقات بين إسرائيل وواشنطن, واضطُرّ نتنياهو بعد توبيخ أميركي علني إلى الاعتذار والتراجع في بعض النقاط مع استمرار تمسكه بقضية الاستيطان التي تبدو حيوية بالنسبة إلى تماسك ائتلافه الحكومي.
وبدا أمس من خلال حديث وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أمام أقوى لوبي لإسرائيل في واشنطن (إيباك) أن الضغط مستمر على نتنياهو من خلال تجديدها الدعوة لإسرائيل لاتخاذ قرارات صعبة وانتقادها مجددا الاستيطان في القدس الشرقية, وهي الرسالة المتوقع أن يسمعها نتنياهو مرة أخرى خلال لقائه أوباما اليوم.
ومن الصعب التخمين أو التنبؤ بالكيفية التي ستنتهي بها هذه الأزمة، فالشرق الأوسط منطقة رمال متحركة, وفي كثير من الأحيان تكون هناك مفاجآت, أو يقدم الجانب العربي أو الفلسطيني ما يخدم الحجة الإسرائيلية بأعمال فيها تهور وعدم حصافة.
لكن تبدو السلطة الفلسطينية هذه المرة قد استفادت من الدرس، فهي حتى الآن, ورغم تسجيل موقفها من الاستيطان، ما زالت ملتزمة بالمفاوضات غير المباشرة خصوصا بعد رسالة التوضيحات الإسرائيلية لواشنطن التي نقلها المبعوث الأميركي جورج ميتشل للسلطة أمس.
والمهم في الفترة المقبلة هو عدم ارتكاب الأخطاء أو تقديم الذرائع للتهرب الإسرائيلي من المفاوضات, والبناء على الزخم والحركة الدبلوماسية الجارية, والتعهدات الأميركية, بما يخلق قوة دفع ذاتية للمفاوضات والسلام وصولا إلى حل نهائي. فقد ضاعت قبل ذلك فرصة الحل في زمن كلينتون وكانت الخسائر كبيرة، وسيكون ثمن إضاعتها في عهد أوباما أكبر, وقد لا تتكرر الفرصة بعدها.
التعليقات