محمد كريشـان

تقام المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية على مساحة 12 مليون متر مربع بتكلفة بلغت 17.5 مليار دولار. ويتبين من بحث أعده مركز ماكرو للسياسة الاقتصادية ونشرته صحيفة 'هآرتس' أمس الثلاثاء أن مستوطنات الضفة الغربية ( الأرجح أن ذلك لا يتضمن القدس الشرقية) تشمل 55708 بيوت ووحدات سكنية، 32711 منها شقق سكنية و22997 بيتا خاصا. إضافة إلى ذلك يوجد في المستوطنات 868 مؤسسة عامة بينها 271 كنيسا، و96 مسبحا و321 منشأة رياضية، و344 روضة أطفال، و211 مدرسة، و68 مدرسة دينية يهودية، و21 مكتبة عامة. كذلك توجد في مستوطنات الضفة الغربية 21 محطة وقود، و187 مركزا تجاريا، و717 مبنى صناعيا، و15 قاعة أفراح.
إنها باختصار مدن متكاملة بكل المواصفات العصرية والبنية التحتية وبشبكة الطرقات الممتازة التي يمكن أن تطمح إليها أي مدينة. صورة لا بد من توضيحها وشرحها حتى لا يظن أحد أن المستوطنات التي يجري كل هذا الصخب الحالي حولها لا تعدو أن تكون بيوتا وشققا سكنية ليس إلا. أبدا إنها مدن مأهولة وفوق ذلك محصنة بنظام أمني خاص ودوريات جيش لا تكل مع تخصيص طرقات خاصة لتنقلات ساكنيها يمنع على الفلسطينيين استعمالها وإن اضطروا لقطع مسافات أطول بكثير مسافة ووقتا. المستوطنات مدن كاملة ومتكاملة مزروعة داخل الأراضي المحتلة ولا علاقة لها بجوارها الطبيعي في أي شيء اللهم الا الاستعانة باليد العاملة الفلسطينية المحتاجة والرخيصة للقيام بكل ما تستلزمه هذه المدن من خدمات مختلفة كأعمال النظافة والصيانة وغيرها ولو أن أعدادا متزايدة من العمال الآسيويين حلوا محلهم بنسب مختلفة في السنوات الماضية.
الاستغراب الذي أبداه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وهو يطل من مدينة رام الله بصحبة رئيس الحكومة الفلسطينية سلام فياض على المستوطنات المتناثرة والجدار الفاصل ليس أمرا فريدا أو مصطنعا. كل من يزور الضفة الغربية وينتقل بين مدنها كثيرا ما يطالع بنوع من الذهول مشهد هذه المستوطنات لاعتقاد سابق أن المستوطنات لا تعدو أن تكون أحياء سكنية بعضها غير مشغول أصلا فإذا بالأمر أضخم وأخطر بكثير.
ليس صدفة أنه لا توجد الكثير من الصور واللقطات أو الأفلام الوثائقية حول هذه المستوطنات ومن الصعب تبرير ذلك فقط بالاعتبار الأمني فالمستوطنات ليست أشد قيمة أمنية على كل حال من مقر رئاسة الحكومة أو الكنيست أو غيرها من المباني الرسمية التي يدخلها الصحافيون والمصورون كل يوم. واضح أن الإسرائيليين راغبون في إبقاء نوع من الغموض حول طبيعة هذه المستوطنات حتى لا يقف الرأي العام الدولي حول حقيقة هذا الاستعمار الاستيطاني الذي لا يكتفي بالاستيلاء على الأرض بالقوة وإنما يريد أن يحل شعب محل الشعب الأصلي مع إقامة صناعات مختلفة في هذه المستوطنات يسعى إلى ترويجها في العالم بكل أصناف التضليل التي لا تريد الاعتراف بأن البضائع والخضروات والفواكه المصدرة إلى أوروبا وغيرها صنعت وغرست في أماكن يقر القانون الدولي على الأقل أنها غير شرعية بالمرة.
ومن نكد الدهر أن سواعد العمال الفلسطينيين الفقراء والمحرومين هي من شيد في الغالب هذه المستوطنات وهي من تعمل في حقولها ومصانعها. ويقتضي الواجب الوطني الفلسطيني والقومي العربي الآن تسليط أقصى ما يمكن من الأضواء على هذه المستوطنات حتى يقف العالم بأسره على حقيقتها وعلى عنجهية الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في التمسك بها. أقل ما يمكن أن يحققه مثل هذا التوجه على الصعيدين الإعلامي والدبلوماسي أن لا أحد بعد اليوم يمكن أن يقف باهتا مثل بان كي مون ويقول ما كنت أدري أن الأمر بهذا الحجم وهذا السوء.