هدى الحسيني

أفضل ما تقوم به الأكثرية اللبنانية، أن تظل ترفض الطروحات الآتية من الخارج، عبر أصوات داخلية، على شكل تهديدات واتهامات وتخوين، من أجل فرض مقاومة حزب الله كبديل لإرادة الشعب اللبناني أولا، وبديل عن الدولة - رغم تعبها وهرمها - وعن الجيش وقوى الأمن. فطالما ظل رفض هذه الأكثرية عاليا يصل حتى إيران، تدرك هذه أن تقديم لبنان، مرة ثانية، ضحية هو أصعب مما تظن. ويبدو أن طهران بدأت تفكر في البديل، وصوبت على الفلسطينيين، فهي بدأت تدفعهم إلى المصالحة، ليس باتجاه إيجاد حل سلمي للقضية، بل لانتفاضة ثالثة. وتهدف إيران في هذه المرحلة إلى استغلال التوتر في العلاقة ما بين الولايات المتحدة وإسرائيل، لتوحد القيادة الفلسطينية، وتشجع على عملية إسرائيلية عسكرية في الأراضي المحتلة بقصد نسف كل المحاولات الدبلوماسية الأميركية والإسرائيلية لتشكيل تحالف دولي ضدها هدفه فرض عقوبات مشددة عليها، قد يليها إما سقوط النظام، أو ربما ضربة عسكرية.

المشكلة التي تواجهها إيران مع الفلسطينيين، أن حماس تفضل أن تنطلق الانتفاضة من الضفة الغربية، في حين يفضل بعض قياديي فتح أن تبدأ حماس بإطلاق الصواريخ من غزة باتجاه جنوب إسرائيل، فتتحمل غزة المدمرة أصلا، وتنجو فتح من الدمار.

أكثر المتحمسين لمصالحة فلسطينية من هذا النوع، هو تنظيم الجهاد الإسلامي الفلسطيني الذي أطلق فعلا الأسبوع الماضي صاروخا لجس النبض. حتى الآن لا تسيطر إيران سيطرة كاملة على أصحاب القرار الفلسطيني، لكن نفوذها على حماس تضاعف في السنوات الأخيرة، إلى درجة أن هذه بدأت تفقد استقلاليتها في اتخاذ القرار.

عندما توجه خالد مشعل في بداية العام إلى السعودية والكويت قال للمسؤولين هناك، إنه يرفض تهمة العمالة لإيران، فهو ليس كذلك ولا يمكن أن يكون. ويذكر أنه في المؤتمر الصحافي الذي عقده مع وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، أكد على إسلاميته وعروبته.

لكن، في لقاء مغلق في إحدى الدول الخليجية جوبه مشعل بأن كلامه غير مقنع، وقيل له: نحن نتفهم أن تتعاون حتى مع الشيطان من أجل تحرير أرضك، لكن لا يمكننا أن نقبل أن تتعاون مع إيران في التآمر على دول الخليج!

واضطر مشعل إلى القول علنا إن حماس لا تقدم المساعدة للحوثيين في اليمن كجزء من تعاونها مع إيران. وكانت السعودية وجهت دعوة لمشعل لزيارتها بعد تقارير نشرت في الصحافة العربية في التاسع من شهر ديسمبر (كانون الأول) عن المساعدة التي تقدمها حماس لإيران في اليمن. ولتنقية الأجواء، تعهد مسؤول أمني سوري كبير بأن مشعل سيوضح كل سوء تفاهم أثناء زيارته.

لكن، بعد تصريحاته في الخليج وعودته إلى دمشق، أسرع حسن مهداوي المسؤول عن laquo;فيلق القدسraquo; الإيراني في لبنان، إلى الاتصال به طالبا توضيح ما قصد في تصريحاته.

خلال اللقاء الذي عقد في دمشق، أبلغ مشعل مهداوي أن السعوديين استعملوا أقسى العبارات في موقفهم من حماس ومعارضتهم لدورها الذي يخدم laquo;المصالح الشيعية على حساب المصالح السنيةraquo;، وأن مسؤولين خليجيين أبلغوه صدمتهم، كيف أن حماس تنضم إلى معسكر الأعداء.

وقال مشعل، إن السعوديين لم يصدقوا أن حماس من المفروض أن تجد حلا لمشكلاتها في غزة، وتتردد في تحقيق المصالحة مع السلطة الفلسطينية، تستثمر كل جهودها لاعتقادها بأنها ستصبح لاعبا إقليميا، في حين أنها تحولت إلى ورقة تتقاذفها أطراف كثيرة.

خلال اجتماع مهداوي - مشعل، بدا الأخير كأنه في كرسي الاعتراف، قال إن السعودية لم توجه تهديدات صريحة ضد حماس، وإنه على الرغم من الاتفاق بينه وبين السعودية بأن أي خلاف في الرأي يجب ألا يخرج إلى العلن، فقد رفض السعوديون تصديق نفيه وطلبوا منه أن laquo;تترك حماس اليمنraquo;. ثم أبلغ مهداوي، أنه سيحيل الوعد الذي أعطاه لإيران بتقديم المساعدة في اليمن إلى مجلس شورى حماس لمناقشته، وأضاف: laquo;إن السعودية التي زرتها لم تكن كما في السابق، بل كانت ردود فعلها متشددة ضد كل ما يمكن أن يهدد مصالحها، خصوصا إذا كانت إيران طرفا في هذا التهديدraquo;. وقال: laquo;إن السعودية لن توافق على أي نشاط لإيران أو حماس في ملعبها الخلفي، وكنا على خطأ عندما اعتقدنا أننا كما نجحنا في تجاوز مصالح مصر عبر تهريب أسلحة عن طريق السودان، يمكننا فعل الشيء ذاته مع السعوديةraquo;.

زيارة مشعل إلى السعودية أثارت غضب الإيرانيين الذين أبلغوه أنه كان عليه التشاور معهم قبل قبول الدعوة. وأبلغوه أنه من الآن وصاعدا، على أي مسؤول في حماس، إذا تلقى دعوة كهذه أن يبحث أولا مع طهران مسألة تلبيتها، وأبلغ مهداوي مشعل: laquo;لا تهتم للتهديد السعودي، وتستطيع ببساطة أن ترفض أي دعوة من الرياضraquo;. ولفته إلى مصر، التي تحد غزة، وكيف أن حماس تقاوم دعوتها لتوقيع اتفاقية مصالحة مع السلطة الفلسطينية، وكيف أن مصر تماطل وتبحث عن مخرج، بعدما اكتشفت نشاطا لحزب الله فوق أراضيها.

بعد هذا اللقاء، طلب الإيرانيون من مشعل أن يطبق ما التزم به تجاه إيران، بحضور مسؤولين سوريين كبار، أي مساعدتها في اليمن عبر إرسال مقاتلين. وأبلغوه أن مساعدة حماس لإيران في اليمن جزء أساسي من المساعدة التي توفرها إيران لحماس في غزة، وقالوا: laquo;إن السعودية، واليمن، ومصر، والسودان ملعب واحد كبيرraquo;.

وأمام تردد مشعل، عادت إيران لتؤكد أنها مستعدة أن تقدم المساعدات المالية التي تحتاجها حماس، وما عليها إلا أن تعد قائمة بمتطلباتها وتقدمها خلال الأشهر القليلة المقبلة، وبالتالي سيقوم مسؤولون إيرانيون كبار بزيارة سورية ولقاء أعضاء من قيادة حماس لبحث المتطلبات. ولطمأنة مشعل، أبلغت طهران، أن التصدع في العلاقة بين الشيعة والسنة الذي تحذر منه السعودية، صار من laquo;الماضيraquo;، خصوصا أن السنة يتعاونون بـlaquo;وئامraquo; مع إيران، laquo;بما فيهم الدولة التي تستضيفكraquo; وهي laquo;القوة الصاعدة في الشرق الأوسطraquo;.

بعد هذا اللقاء وما تخلله من مناقشات قال مشعل إنه اقتنع بالطرح الإيراني وسينقل القرار إلى مجلس شورى حماس laquo;لدعم التعاون الاستراتيجي بين الطرفينraquo;.

وبالفعل، وبعد مجادلات حامية طالت ثلاثة أسابيع، وافق مجلس شورى حماس على القرار الذي نقله مشعل إلى إيران عندما التقى الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في سورية في الخامس والعشرين من الشهر الماضي.

بعد ذلك بثلاثة أيام كان مشعل في طهران للمشاركة في laquo;مؤتمر التضامن الإسلامي والوطني من أجل مستقبل فلسطينraquo;، حيث حضر ورمضان شلح أمين عام laquo;الجهاد الإسلامي الفلسطينيraquo; وممثل عن الرئيس السوري بشار الأسد، لقاء مع المرشد الأعلى للثورة آية الله علي خامنئي.

الأهم كان لقاء مشعل مع وزير الأمن الإيراني خيضر مصلحي لتثبيت التنسيق الذي على أساسه تستأنف حماس نشاطها في اليمن متجنبة إظهار أي علاقة لها بإيران، وقد تم إبلاغ ممثل حماس في صنعاء جمال عيسى بذلك. بعد كل هذه التطورات، نشط مسؤولو laquo;الجهاد الإسلامي الفلسطينيraquo; وعلى رأسهم خالد البطش، فإذا بطهران تعلن عن رغبتها بجمع حماس وفتح، قائلة إنها لم تعد تمانع بالمصالحة في ظل مصر. في السابق، كانت طهران تعنف مسؤولي حماس المقيمين في دمشق لمحاولتهم المصالحة مع فتح، مفضلة أن يبقى الانقسام بينهما عميقا. الآن تغير الموقف الإيراني بسبب القناعة بأن المصالحة لن تؤدي إلى استئناف مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

كلما اقتربت إيران من مواجهة ساعة الصفر، اشتدت حاجتها لطرف عربي، من أجل إشعال نار الدمار في أي بقعة عربية قادرة على تأجيل ساعة المواجهة الإيرانية مع العالم!

والآن، كما يبدو جاء دور الفاتورة الفلسطينية!