نسيم الخوري

السؤال الأوّل: من أضعف السلطة المركزية اللبنانية التي تفسح المقاومة المجال لها فقط، فتسميّها الدولة القوية القادرة والعادلة وتطالب بها، وبالتالي كيف تتعامل المقاومة بمعناها العريض وعلى مستوياتها المختلفة مع شطب مصطلحها في نص رسمي، مراكماً طبقات لا تنتهي من إحراجات المقاومة وإرباكها عبر السنوات الخمس الأخيرة، ناهيك عن الشبكات الخطرة من العملاء الذين يدخلون في الأنسجة، ويتمّ تفكيكهم حجراً حجراً؟

الجواب: ومن لم يضعف السلطة المركزية من اللبنانيين أساساً منذ الاستقلال حيث لكلّ حزب عقيدته الخاصة ونشيده الخاص، وعَلمه الخاص، وجيشه الخاص، وسلاحه الخاص الفردي وغير الفردي، ومدرسته الخاصة، ومناهجه الخاصة، وإذاعته الخاصة وتلفزيونه الخاص، وشعلة جنوده المجهولين الخاصة ولغته الخاصة وارتباطاته الخاصة المتشظية بتشظيات قوى الأرض كلّها .

علاقات الدولة والشعب والمقاومة هي المقولة المثلثة التي يدور بين زواياها لبنان قاعداً في مطرحه لا يحيد، وكأن بعضه يريد تصفية دم الديك قبل أوان ذبحه .

لا، قطعاً لن يظفر العالم بعرف الديك . فالمقاومة في لبنان موجودة وقويّة ومستمرّة بانتصاراتها وأسلحتها وصدقيتها وزهوها أكثر من أيّ يوم مضى من تاريخ لبنان، سواء أكان في الوجدان العربي الرافض أوّلاً أم في الوجدان العربي المعتدل الذي يبدو وقد ملّ التنازلات (قلنا يبدو)، كأنّه يتطلّع إلى هذه المقاومة وغيرها في غزّة على أنّها مخزون احتياطي فائق الضرورة والأهميّة لانتشال العرب من واقعهم المأساوي الذي وصلوا إليه . فقد جرّب العرب قرع مختلف الأبواب، وبالأنغام واللغات كلّها، واعتراهم اليأس القاتل تجاه تعنت ldquo;إسرائيلrdquo; ورفضها لبوادر السلام، وإجهاضها لكلّ الأساليب والمحاولات والتراجعات والمبادرات التي جعلت تاريخهم المعاصر يظهر كأنه رقع لأحجار من المطاحن تهرس نفسها وتدور حول واقعها المرير .

حيال هذا المشهد يتنافر اللبنانيون ومن ورائهم أعضاء الحكومة اللبنانية الوفاقيّة وبعض السياسيين اللبنانيين من أركان الحوار، أو هيئته حول المقاومة أو حول بند واحد يدورون حوله ونعني به الاستراتيجية الدفاعية، والبحث عن قراري الحرب والسلم ومن يمسك بهما الدولة أم المقاومة . ونكاد نصدّق هذا اللغو السياسي باباً في خلاص لبنان، على الرغم من اطمئنان العالم الغربي الذي التوى ظهره في الانحناء على ldquo;إسرائيلrdquo; حنوّاً عليها أو انصياعاً لها ولمصالحها، بحيث تقف بعض قوّاته مسلّحة بمفاعيل قرار مجلس الأمن الدولي 1701 منذ حرب تمّوز، تبث مناخ الاستقرار غير المباشر في دولة العدو التي لا تنفك تخرق لبنان عسكرياً كلّ يوم . إنّ هؤلاء اللبنانيين المتلهّين بمصطلح الاستراتيجية الدفاعية باتوا يشكّلون ظاهرة خطرة، نعم خطرة، لعدّة أسباب:

1 بانت الخطورة وتشتدّ في هذا الهزال الكبير، والارتجال الهائل في الأوراق والمداخلات والخطب والتصريحات لبشر غير استراتيجيين في معنى كلمة استراتيجية، وهي مصطلح معرّب بالطبع . وقد يكون أبلغ ما يعبّر عن رفض هذا الهزال في التفكير، الصرخة المخنوقة الشديدة التعبير التي أطلقها النائب محمد رعد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة الذي قال عقب الحوار: كلّ مرّةٍ تودون فيها إدخال كلمة المقاومة في نصٍّ من النصوص، تربحوننا ألف جميل وجميل، انزعوها من نصوصكم وليكن ما كانrdquo; . طبعاً لا تنتظر المقاومة كلاماً لتسلك، لكنّ تراكم الصبر على الألحان الناشزة الداخلية غالباً ما يكون أكثر إزعاجاً وخطورة من العدو نفسه وحلفائه معاً .

2 تظهر الخطورة في الميل إلى إبقاء الجنوب أو إعادته إلى منطقة مفتوحة على كلّ المصالح والاحتمالات والحسابات السلمية والعسكرية .

3 الاستغراق في مسلسل العدائيات الهجومية الكلامية والإعلامية، بقصد الاستنزاف المعنوي ضدّ سوريا باعتبارها الخط الأوّل لدول الصمود والممانعة، كما ضد المقاومة بأوهام خلق المتاعب الدائمة لها في علاقاتها باللبنانيين وبعض الجنوبيين، ومحاولة إضعافها للتخفيف من انتباهتها في مسائل جوهرية داخلية وخارجية .

4 جرّ الحكومة اللبنانية إلى اتخاذ مواقف لربما تؤثّر في ميزان القوى الداخلي، أو تعوّض عن التحوّلات الحاصلة في مواقف مرجعيّات سياسية وحزبية مهمة، وخصوصاً في مواقف النائب وليد جنبلاط الأخيرة على طريق العودة نحو دمشق عاصمة القومية .

5 التأكيد على نوعية الصراعات المذهبية والدينية داخل لبنان وتعميقها وتظهيرها بما يخدم العدو ldquo;الإسرائيليrdquo; ويحرج لبنان .

6 التغطية غير المباشرة على المواقف ldquo;الإسرائيليةrdquo; المتعنتة في مواضيع السلام والاستيطان وإعادة تغطيتها من العري الذي يصيبها تجاه الرأي العام الدولي .

السؤال الثاني: من جعل من لبنان رمزاً للمقاومة؟

الجواب: سلوك السلطات المركزية التي لم تجد مركزاً واحداً تتجمّع فيه بحثاً عن الأصدقاء والأعداء . وأساساً من لم يسهم من سياسيي في تنابذهم وتشرذمهم وصراعاتهم من إلقاء وطنهم في يد العدو؟

لكن . . لكن، لا تغيّر هذه المخاطر الستة كثيراً في المشهد العام، على الرغم من الآلام النفسية التي تتركها في الوجدان النظيف، لأنّ المقاومة الوطنية باتت الخاتمة الضرورية الحاسمة لكلّ أنواع التجارب والمقاومات التي عرفها الجنوب اللبناني، والتي أتعبت لبنان وأضعفت استراتيجيته التي لا علاقة لها باقية بفنون إدارة الصراعات والحروب . نحن في زمن لبناني/ عربي استراتيجي جديد وقّع عليه الرئيس حافظ الأسد، ودمغه الدكتور بشّار الأسد مقرناً حياة الشعوب بكرامتها ولو بقي وحيداً .