واشنطن

الصينيون بدؤوا سراً بضرب آية الله خامنئي في الموضع الذي يؤلمه، ففي الشهرين الأولين من عام 2010، ومقارنة بالفترة عينها في العام الماضي، خفّضت بكين وارداتها النفطية من إيران بنسبة لا تقل عن 40%، وذلك يتناقض مباشرةً مع وارداتها النفطية من السعودية، وأنغولا، وروسيا التي ازدادت على التوالي بنسب 5.4%، و71.6%، و5.4%.

لا يشكل انتصار أوباما في المناظرة حول الرعاية الصحية إنجازاً محلياً للرئيس الأميركي فحسب، إنما دفعاً لمكانته في الخارج أيضاً، لاسيما في الشرق الأوسط. سيكون ذلك مهماً بينما يمضي الرئيس قدماً مع إسرائيل وإيران.

حتى وقت ليس ببعيد، رأت كل من طهران والقدس أن الجدال حول الرعاية الصحية قد يقوض مكانة أوباما في بلده، الأمر الذي قد يقلص بدوره نفوذه في الخارج، لذلك كانتا تأملان أن تجبر أي هزيمة أوباما على التركيز على مشاكله المحلية.

لذلك سيكون على كلتا الحكومتين اليوم مواجهة واقع أن باراك أوباما أكثر من مجرد سياسي يتحدث بلطافة؛ فنجاحه في حمل مجلس الشيوخ على إقرار قانون الإصلاحات الشاملة هذا، بعد مضي أكثر من عام على ولايته الرئاسية الأولى، سيعكس بوضوح قدرته كسياسي.

يأتي هذا الخبر في توقيت سيئ بوجه خاص بالنسبة إلى الحكومة الإيرانية، ففي رسالته الثانية التي وجهها إلى إيران في السنة الفارسية الجديدة، عرض أوباما مجدداً على القيادة الإيرانية التفاوض واعترف بحق البلاد في الطاقة النووية، بينما انتقد في الوقت عينه النظام الإيراني لازدرائه المساعي الرامية إلى إقامة علاقات ودية. لو أن أوباما شن هجوماً كلامياً فحسب، أو أنه لم يقل شيئاً على الإطلاق، لكان ذلك أفضل بالنسبة لخامنئي.

كما أظهر العامان الماضيان، تلقي الشعب الإيراني التهاني بعيد النوروز من قبل أقوى سياسي يستقطب الأنظار في العالم حتى قبل أن يهنئهم قادتهم، مما يؤدي إلى تقليص جمهور ومصداقية الرسالة التي وجههتها القيادة الإيرانية بحد ذاتها، إلى حد أن خامنئي شعر مباشرةً بعد رسالة أوباما بضرورة مهاجمة رسالته واتهامه بأنه يرغب في قلب النظام في إيران.

لا يجب كذلك الأمر استبعاد العاملين الروسي والصيني، فاليوم، يجاهر الروس، الذين كان يعوّل محافظون إيرانيون كثر على دعمهم، بأنهم سيدعمون 'العقوبات الذكية' ضد إيران.

مع ذلك، فإن الأسوأ هو الخبر الأخير الصادر من الصين، إذ كانت الحكومة الصينية حتى الساعة العضو الدائم الوحيد في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي يعارض بإصرار العقوبات، لكن الصينيين بدؤوا سراً بضرب آية الله خامنئي في الموضع الذي يؤلمه، ففي الشهرين الأولين من عام 2010، وبالمقارنة مع الفترة عينها في العام الماضي، خفّضت الحكومة الصينية وارداتها النفطية من إيران بنسبة لا تقل عن 40 في المئة، وذلك يتناقض مباشرةً مع وارداتها النفطية من السعودية، وأنغولا، وروسيا التي ازدادت على التوالي بنسبة 5.4 في المئة، و71.6 في المئة، و5.4 في المئة.

هذا خبر مريع بالنسبة إلى المحافظين الإيرانيين، في وقت ارتأت فيه الصين على ما يبدو أن التعامل مع الحكومة الإيرانية الراهنة يضر بمصلحتها، وعلى الرغم من أن الحكومة الصينية لا تتبع على الأرجح الخطاب السياسي للغرب بحذافيره، في ما يتعلق بالتحرك الملموس، فإن بكين انضمت على ما يبدو إلى بعض البلدان الأوروبية، بل حتى تفوقت عليها، في فرض العقوبات الاقتصادية على إيران.

من شأن هذه التطورات اليوم، فضلاً عن مكانة أوباما المعززة في بلاده، أن تسهل على أوباما فرض عقوبات أكثر صرامةً وعزل النظام الإيراني قدماً، كذلك ما من شك في أن الخيار العسكري ضد إيران لايزال مطروحاً، لأن أوباما ليس بأي شكل من الأشكال ممن يؤيدون الحل السلمي لتسوية النزاعات، وإن فشلت العقوبات وزُوّد الرئيس بمعلومات سرية دقيقة تفيد بأن شن هجوم سيؤخر برنامج إيران النووي لأكثر من خمس سنوات، وأن الولايات المتحدة وحلفاءها سيتمكنون من مقاومة الرد الإيراني، فعندئذ قد يفكر جدياً في هذا الخيار أو حتى يطبقه. حتى هذه اللحظة، شكل تولي أميركي من أصل إفريقي اسمه الثاني حسين الرئاسة هاجساً بالنسبة إلى المحافظين الإيرانيين، وهو يهدد مسعاهم طوال 30 عاماً لتصوير الولايات المتحدة كدولة عنصرية معادية للإسلام، ولذلك لابد أن تشعر طهران بالقلق إزاء تحسن مكانته اليوم محلياً.

في الوقت عينه، سيأخذ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على الأرجح في الحسبان مسألة تحسن مكانة أوباما في بلده، فقد لا يجبره ذلك على وقف مشاريع البناء الجديدة في القدس على الفور، لأنه قد يعني تفكك حكومة التحالف التي أقامها، لكن من المرجح أن يفكر جدياً في تجميد عمليات البناء في الضفة الغربية. وقد يجبر ذلك نتنياهو على المدى الطويل على إرجاء بعض خطط البناء في القدس، بالاستناد إلى مكانته محلياً.

إن كانت الضغوط الأميركية ستزداد، فقد يلتفت نتنياهو حينئذ إلى تهم الفساد ضد أفيغدور ليبرمان، وإن كان هذا الأخير سيُعاقب، فمن المستبعد أن يصمد من دونه حزبه إسرائيل بيتنا، كما سيتمكن نتنياهو عندئذ من السعي وراء اتفاق مع حزب كاديما، الذي قد تتيح مقاعده الثمانية والعشرون في الكنيست وسياساته الأكثر اعتدالاً تجاه مفاوضات السلام لنتنياهو المجال المحلي للتوصل إلى اتفاق مع السلطة الفلسطينية.

لا بل الأفضل أنه لو أراد ليبرمان وغيره من الأعضاء اليمينيين في حكومة التحالف التابعة لنتنياهو إلحاق أذىً فعلي بخامنئي، لأيدوا تجميداً موقتاً لعمليات البناء كافة في القدس للسماح للقدس وواشنطن بتركيز اهتمامهما على إيران، لكنهم حتى هذه اللحظة يساعدون خامنئي عبر تحويل الاهتمام عن طهران.

لسوء الحظ، تخوض العقيدة والبراغماتية صراعاً دائماً في إسرائيل، لكن يبدو أن الأولى تملك اليوم السطوة الكبرى، ذلك خبر سيئ لإسرائيل، ورائع للنظام الإيراني.

* مير خافيدانفار محلل في الشؤون الإيرانية الإسرائيلية في الشرق الأوسط. شارك في تأليفThe Nuclear Sphinx of Tehran:Mahmoud Ahmadinejad and the State of Iran