حليمة مظفر

نحن ملزمون أمام الأحاديث النبوية الشريفة الصحيحة بالأخذ بها؛ تصديقا لقوله تعالى quot;وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَquot;؛ ولكن ماذا لو أثار حديث نبوي قيمة تناقضت مع قيم أخرى لنصوص نبوية صحيحة؛ أو تعارضت مع مضامين قرآنية ؟! فالأُخذ بها دون نظر قد يؤدي إلى تناقض!! ومن ذلك قوله عليه أفضل الصلاة والتسليم quot;ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساءquot;؛ وقد أخذ كثير من أهل العلم معناه على أنهن مصدر غواية وضلال للرجال يُحذر منهن! فضيقوا على المرأة وصعبوا حياتها فقهيا بباب سد الذرائع خشية غوايتها للرجل؛ وأثبت بعضهم هذا المعنى؛ استشهادا بقوله تعالى:quot; زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ quot; وأستغرب وجه الاستشهاد بالآية في تأكيد معنى أنهن مصدر غواية ! مع اعترافي أني لست متخصصة في الشريعة؛ لكني أحاول مجتهدة استنطاق اللغة العربية في كيفية القراءة لأجل الفهم.
لقد بنوا هذا المعنى في فتنة النساء؛ على اعتبارها مما زُين للناس من الشهوات في الآية الكريمة؛ حتى ابتدأ بها لكونها سببا لما بعدها؛ وهو منطق يتنافى مع صريح الآية، فمن رأى ذلك؛ قصر معنى الشهوة في كلمة quot;شهواتquot; على quot;الفتنة الجنسيةquot; فقط ؛ وكأن الآية اقتصرت على ذكرهن؛ وتناسى ما بعدهن من شهوات هي الأموال المكتسبة والذهب والفضة والخيل والحرث والأنعام مما تعتبرquot;ملذاتquot; تتحقق بها متعة وسعادة وامتلاء الناس حين يمتلكونها زينة لهم؛ ومنها النساء؛ فمن النساء المقصود بهن في الآية؟.
إن السياق القرآني العظيم استخدم كلمة quot;الناسquot; ويدخل فيها الرجال والنساء؛ لكن بعضهم بنى في كلمة (الناس) معنى الرجال وأخرج النساء!! على اعتبار ذكرهن ضمن الشهوات في الآية! وهو غير صحيح برأيي؛ لأن البنين والأموال وخاصة الذهب والفضة مما تشتهيه النساء أيضا؛ فهما أساس زينتهن وشهوتهن؛ وهذا يؤكد أن quot;الناسquot; قصد بها الرجال والنساء؛ والسؤال هنا: كيف تكون (النساء) من شهوات النساء ممن هن من الناس !! والإجابة بررتهاquot;ألـquot; التعريف؛ التي إذا دخلت على نكرة؛ عرفتها وخصصتها؛ فـ (النساء) المذكورة ضمن الشهوات قُصد منها (فئة) مخصصة من نساء تصدق عليهن صفة الزينة؛ و في ظني ـ والله أعلم ـ هنّ مما ملكت الأيمان ( الجواري والخادمات)؛ يستمتع بهن الرجل شهوة؛ وتستمتع النساء بهن كخادمات دليل رفاهية وزينة؛ ويؤكد المعنى؛ ما عطف على (النساء) من الأموال والذهب والفضة لآخر الآية؛ وقد يقول القائل : كيف سيصدق ذلك إذن على (البنين ) ؟! والإجابة أن البنين ملك لآبائهم؛ تصديقا لقوله عليه الصلاة والسلام لابن أحدهم: quot;أنت ومالك لأبيكquot; .
هكذا؛ فإن الآية الكريمة لم تقصد النساء عامة؛ ما ينفي الاستشهاد بها على أن النساء مصدر غواية؛ فما المقصود إذن بـquot;الفتنةquot; في الحديث الشريف؟! نكمل غدا إن شاء الله.