سعد محيو

ما جرى في القمة العربية في سرت خيال أجمل من أن يكون حقيقة .وما نقصد بالخيال هنا ليس بالطبع الولادة الجديدة لمؤسسات الأمة العربية وهياكلها السياسية والاقتصادية، ولا الاتحاد العربي الذي تُبشّر به اليمن التي تكاد تفقد اتحادها وليبيا التي فضّلت الاتحاد الإفريقي على العربي، ولا حتى مشاريع سياحية عربية مشتركة .

ما نقصد هو النقد الذاتي الذي مارسه بعض القادة العرب في القمة، والذي اعترفوا خلاله بأن ldquo;العمل العربي المشتركrdquo; في أزمة (أمير قطر)، وأنهم هم شخصياً مسؤولون عن هذه الأزمة (العقيد القذافي)، وبأنهم تهاونوا في الدفاع عن القضايا العربية (رأس الجامعة العربية) .

وهكذا، كان القادة ينفثون الروح في جسد ظنّ الكثيرون أنه تمزّق إرباً: من السوق العربية المشتركة التي أُعلن عن وفاتها قبل ولادتها، إلى المبادرات المُوّحدة لتسوية القضية الفلسطينية التي لاتزال حبراً مُشوّشاً على ورق هش، مروراً بإعادة اكتشاف الموقع العربي الغائب في النظام الإقليمي الشرق أوسطي .

بالطبع، بث الروح لا يعني بالضرورة عودتها، لأن عدم قرن القول بالأفعال سيزهق هذه الروح مُجدداً وسريعاً . ومع ذلك، أن يأتي الأمر متأخراً أفضل من ألا يأتي أبداً . ثم أن الاعتراف بالذنب فضيلة، ناهيك عن أنه (في حال كان جدّياً ومُخلصاً) يُشكّل نصف الطريق نحو الحل .

لكن، ما أسباب هذه اليقظة المفاجئة؟

هل هي رياح الديمقراطية والتعددية وسيادة القانون التي بدأت تلفح وجه شعوب المنطقة فوصلت، وإن عن طريق الصدفة، إلى قمم السلطة؟

الكثيرون يتمنّون أن تكون العوامل الذاتية هذه هي السبب . بيد أن هذا، من أسف، ليس الواقع . الأرجح أن العوامل الموضوعية المتعلقة بشعور القادة العرب بالاحراج لأن القرار العربي بات في يد جيرانهم الإيرانيين والأتراك هي المسؤول الأول .

وهذا صحيح . فالإيرانيون باتوا أبطال المقاومة وتحرير فلسطين، فيما القمم العربية تتلقى الصفعة تلو الأخرى من ldquo;إسرائيلrdquo; حال كل مبادراتها السلمية .

والأتراك، هم أيضا، دخلوا بقوة إلى ساحة الفعل العربي، وتحوّلوا إلى الناطق الرسمي باسم الحق العربي . وهذا بالتحديد ماأظهره رجب طيب أردوغان حين خطف الأضواء في قمة القدس، مهدداً ldquo;إسرائيلrdquo; ldquo;المجنونةrdquo; بالويل والثبور في حال واصلت تهويد القدس والمسجد الأقصى .

هذا الدخول الإيراني- التركي على خط القضايا العربية، بدأ على ما يبدو يفعل فعله على مستوى قمم السلطة العربية، إن لم يكن من باب المشاعر القومية فمن نافذة الإحراج والغيرة الذاتيين .

وهذا أمر جيد وحميد، ونرجو أن يستمر . ففي نهاية المطاف، الأهم ليس الأسباب بل النتيجة . ليس النوايا بل المحصلات . وما رأيناه في سرت مؤشر على بدء سريان مفعول الإحراج والغيرة .

الدليل؟ إنه لا يكمن فقط في سيرة النقد الذاتي في القمة، بل أولاً وأساساً في طبيعة الاستقبال الذي قوبل به اقتراح عمرو موسى بإنشاء ldquo;منطقة الجوار العربيrdquo;، التي تضم أساساً (على حد تعبيره) الدولتين الشقيقتين تركيا وإيرانrdquo; . وهو استقبال أقل ما يقال عنه إنه فاتر بل ومتوتر .

ومرة أخرى، هذا أمر حميد . فالغيرة تتحوّل إلى طاقة إيجابية في حال لم تنقلب إلى حسد .

وما جرى في سرت لايدل على أن قمم السلطة العربية وصلت إلى درجة الحسد . ليس بعد على الأقل .