فيصل جلول

في 27 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1967 عقد الجنرال شارل ديغول مؤتمراً صحافياً شهيراً علق خلاله على نتائج حرب حزيران/يونيو وقد انطوى على تقدير للتطورات اللاحقة كان صائباً في قسمه الأكبر وهو يلقي أضواء كاشفة على ما يدور هذه الأيام في فلسطين .

قال الرئيس الفرنسي الراحل ldquo; . . طرح قيام وطن صهيوني لليهود (في فلسطين) خلال الحربين الأولى والثانية وقيام دولة ldquo;إسرائيلrdquo; بعد الحرب في حينه عدداً من المخاوف والتساؤلات حتى لدى بعض اليهود حول إنشاء هذه الدولة وما إذا كان سيتسبب بصراعات لا نهاية لها .

وكان البعض يخشى على (مصير) اليهود الذين كانوا حتى ذلك الحين مشتتين، ولكنهم ظلوا كما كانوا على مرِّ التاريخ شعباً من النخبة واثقاً من نفسه ونازعاً للغلبة . . وكانت القوى (العظمى) التي وافقت على إقامة هذه الدولة تأمل في أن يجد (الكيان) وسيلة للتعايش السلمي مع محيطه، إلى أن اكتشفنا في العام 1956 دولة ldquo;إسرائيليةrdquo; حربجية مصممة على التوسع . وقد عمدت من بعد الى مضاعفة عدد سكانها عبر الهجرة وكان ذلك يوحي بأن الأراضي التي حصلت عليها(بقرار التقسيم ) لن تكفيها لوقت طويل وأنها ستبادر الى التوسع عندما تحين الفرصة المناسبة .

لذا تخلت الجمهورية (الفرنسية) الخامسة عن الالتزامات التي تعهد بها النظام السابق (الجمهورية الرابعة) تجاه هذه الدولة . . طبعاً حافظنا على علاقات ودية مع ldquo;إسرائيلrdquo; والتزمنا ببيعها السلاح الذي تحتاج إليه للدفاع عن نفسها، وقلنا للعرب إن هذه الدولة هي أمر واقع ولا نسمح بتدميرها . . .في 2 حزيران يونيو جاءنا ابا ايبان (وزير الخارجية) وقلت له إذا تعرضتم للاعتداء لن نسمح بتهديم دولتكم وإذا بادرتم للقتال سندين مبادرتكم . طبعا أنتم أقلية في محيطكم لكنكم موحدون ومنظمون ومسلحون أفضل بكثير من العرب، ولا أشك في أنكم ستحققون نجاحات عسكرية ولكن ستتحملون كل السلبيات الناجمة عن هذه النجاحات . ومع الأسف لم يسمع صوت فرنسا . واليوم تنظم ldquo;إسرائيلrdquo; احتلالها للأراضي التي احتلتها وستلجأ الى القمع والاضطهاد والتهجير وستنهض ضدها مقاومة (فلسطينية) وستسمى المقاومة بالإرهاب . . إن الحل الوحيد يكمن في التخلي عن الأرض التي استولت عليها ldquo;إسرائيلrdquo; بالقوة وإنهاء حال العداء والاعتراف المتبادل بين دول المنطقة .rdquo;

يدين هذا التقدير الديغولي لتطورات ما بعد حرب حزيران (يونيو) لخبرة الجنرال الطويلة في الجزائر ولحسه التاريخي ومعرفته الوثيقة باليهود والعرب على حد سواء، ذلك أن تلازم الهجرة اليهودية وخاصة الروسية مع الاستيطان والتوسع كان يؤسس لحرب صهيونية دائمة تحمي الأرض المقضومة والمستوطنين، وإذ تلقت هذه السيرورة ضربات قاصمة في جنوب لبنان وغزة فإنها لم تردع الصهاينة عن التمدد في الضفة الغربية والقدس والجولان والتخطيط لتهجير ما تبقى من الفلسطينيين في أرضهم التاريخية قبل عام 1948 .

أغلب الظن أن الثلاثية الصهيونية المذكورة ما كان لها أن تصطدم بالراعي الأمريكي لولا الاستنتاج الذي خلص إليه الجنرال ديفيد بترايوس قائد القوات الأمريكية المركزية في الشرق الأوسط من أن مخارج الحرب في العراق وأفغانستان وباكستان مرهونة بإقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة والقطاع والقدس الشرقية، الأمر الذي يمس إلى هذا الحد أو ذاك نمط وجود ldquo;إسرائيلrdquo; . فهل توصلت واشنطن الى هذه القناعة وهل تقبل على المدى الأبعد البحث في نمط آخر للوجود والبقاء ldquo;الاسرائيليينrdquo; وهل يصح وصف نتنياهو للرئيس الأمريكي بانه اكبر كارثة يواجهها الكيان الصهيوني؟

ما من شك في أن العلاقة الاستراتيجية، بل المصيرية بين الولايات المتحدة وrdquo;إسرائيلrdquo; تحيل سؤالاً من هذا النوع إلى خانة الهزل، وبالتالي تغلب رأي القائلين بأن الخلاف الراهن بين الدولتين تكتيكي وأن واشنطن تحتاج إلى هذا الموقف لكسب المزيد من الوقت في حروبها شرق الأوسطية ما يعني أن الرهان العربي على هذا الموقف كان ينبغي أن يكون محكوماً بطابعه لا أن يتعداه الى التمسك بالخيار الاستراتيجي للسلام وبالمبادرة العربية ورفض المقاومة كخيار بديل أو مواز .

ومن حسن الحظ أن القرار الذي اتخذته قمة سرت في هذا الشأن انطوى على مخرج شكلي يقضي بالعودة إلى بحث هذا الموضوع خلال أسابيع واتخاذ الإجراء اللازم بشأنه .

تبقى الاشارة إلى إن ldquo;إسرائيلrdquo; يمكن أن تقطع الطريق على العرب المفاوضين وعلى بترايوس وغيره عبر تغيير أو تعديل حكومي، والتظاهر بموقف مختلف يؤدي إلى استئناف المفاوضات واستئناف السيرة السابقة، ذلك أن الكيان كله مستوطنة وكل توقف للاستيطان يفضي بالضرورة إلى وضع ldquo;الشرعيةrdquo; الصهيونية بين هلالين .

ولعل طرفين فقط يدركان جوهر هذه المعادلة حق إدراكها: المستوطنون والمقاومون العرب مع فارق كبير هو أن الطرف الأول يتولى الحكم فيما الطرف الثاني لم يصل صوته بعد وقد لايصل إلى آذان كل الحكام العرب .