إياد الدليمي


عندما كان البعض من أركان حكومة نوري المالكي يطبل قبيل الانتخابات المحلية التي جرت قبل أكثر من عام وبعدها الانتخابات التشريعية التي جرت مؤخراً، بأن هذه الحكومة حققت الأمن، كنا نقول ونؤكد أن ما تحقق quot;من أمنquot; كما يقولون إنما هو مثل الحمل الكاذب الذي تشعر به بعض النسوة، فمع أن كل علامات الحمل متوافرة، إلا أن الجنين ليس له وجود.
وكذا الأمن الكاذب في العراق، نعم انخفضت العمليات التفجيرية، وانخفضت أعمال القتل الطائفي، وعادت وتيرة الحياة إلى بعض رونقها السابق في بغداد وعدد من المدن الساخنة الأخرى، إلا أن دعائم الأمن الحقيقي لم تكن قد توافرت بعد.
إن كل ما جرى من خفض للعمليات التفجيرية وأعمال القتل الطائفي، إنما كان بناءً على مصالح البعض من الساسة العراقيين، وأحزابهم وميليشياتهم التي تتحكم فعلياً بمفاتيح الأمن والاستقرار بفعل امتلاكها لزمام السلطة، سواء الحكومية منها أو حتى تلك الدينية، وبالتالي فإن ارتفاع أو انخفاض وتيرة تلك الهجمات يكون بالضرورة له علاقة بمصالح هذه الأحزاب وميليشياتها.
إن ما جرى عقب الانتخابات التشريعية التي جرت في العراق مؤخراً يؤكد حقيقة ما نذهب إليه، فلقد انفجرت أعمال العنف بشكل أعاد لأذهان العراقيين سنوات الجمر منذ عام 2005 وحتى نهاية عام 2007، فلقد انفجر العنف مجددا، ووقعت مجازر دموية جديدة، بطلها الشعب العراقي المسكين الذي ما زال يدفع فاتورة خلافات ساسته، وما زال يدفع ضريبة دفاعه عن وحدة بلاده ورفضه لكل مظاهر التقسيم التي يبدو أنها الهدف الأسمى لبعض الأحزاب السياسية.
لقد أثبت ساسة العراق أن إيمانهم بالديمقراطية لا يتعدى كونه مصلحة وقتية يمكن أن تنتهي بانتهاء المفعول، فلقد طبلوا وزمروا لديمقراطية الاحتلال، وتحدثوا عن المنجز العظيم الذي يتفاخرون به، ألا وهو الانتخابات، في منطقة لا تعرف هذا النوع من الديمقراطية، حتى راح وزير الخارجية المالكي هوشيار زيباري يصف العراق بالواحة الخضراء وسط الصحراء، في إشارة إلى الديمقراطية في العراق قياساً بمحيطه العربي.
الديمقراطية من وجهة نظر ساسة العراق، هي التي توصلهم للحكم، وهي التي تجعلهم يتسيدون على ثروات العراق، وتجعلهم ينفسون عن أحقادهم تجاه العراقيين، كل العراقيين بلا استثناء، أما إذا جاءت نتائج الديمقراطية على خلاف ما يشتهون، فإنهم يهاجمونها، ويضعون العصي في كراسيها، ويتهمون هذا الطرف أو ذاك بالتزوير، ويرفعون من عقيرة الأحقاد الدفينة، وهو ما حصل عقب الانتخابات الأخيرة، فلقد خسرت جهات بعينها تلك الانتخابات، وراحت تصرح حتى قبل الإعلان النهائي للنتائج أن موجة العنف سوف تعود مجددا، كما أعلنها صريحة رئيس الحكومة المنصرف ورئيس دولة القانون نوري المالكي، وها هو توقع السيد المالكي يصحّ وتعود موجة العنف بلا رحمة ولا استثناء، ترافقها محاولات مسعورة من قبل البعض لإعادة أُسطوانة الطائفية المشروخة التي عزف عليها طيلة سنوات ماضية.
وهنا لا بد أن نسال السيد المالكي وأجهزته الأمنية، أين ما تحدثتم عنه من أمن قد تحقق خلال فترة رئاستكم للحكومة؟ أين ما تحقق من حديث عن قضاء مبرم على القاعدة والميليشيات وفلول النظام السابق، وهي التي كان ناطقوكم من العسكريين وغيرهم يصدعون رؤوس العراقيين بها طيلة سنوات حكمكم البهي؟
نعم كان هناك أمن صنعتموه عندما كان ذلك لصالح أجنداتكم الحزبية الضيقة، وعندما شعرتم بأن هذا الأمن سوف ينعكس سلباً على تلك المصالح، عدتم مجدداً للسماح للعنف بالدخول إلى بغداد وغيرها من المدن.
مجدداً نقول ونكرر، لا حل للعراق إلا بوضع حد لنفوذ الأحزاب والميليشيات، إلا بوضع حد لتغلغل الجوار الإقليمي، وتحديداً إيران، التي تلعب وتحرك مؤشر العنف والأمن وفقاً لبوصلتها وبوصلة الأحزاب العميلة لها، لا حل للعراق إلا بأن تَجري محاكمات دولية لبعض من رموز المرحلة التي أعقبت احتلاله، فلقد تورط أغلب هؤلاء الساسة وأحزابهم بعمليات إجرامية لا تقل وحشية عن أعمال المحتل الأميركي.
أما الحديث عن وضع حد للانفلات الأمني في العراق، فإنه سيبقى هواء في شبك، إذا لم تجر عمليات استئصال لأسباب هذا العنف، وأولها ميليشيات الأحزاب وولاءاتها الخارجية.
وإلى أرواح العراقيين التي صعدت إلى رب السماء وهي تجأر من ظلم الساسة نقول: غمّدكم الباري فسيح جناته وأسكنكم رياض رحمته.