خيرالله خيرالله

كان من الأفضل للنائب ميشال عون، القائد السابق للجيش اللبناني، أن يدافع عن نفسه في وجه الاتهامات المباشرة التي وجهها إليه النائب والوزير السابق الشيخ فريد هيكل الخازن. من بين التهم التي وجهها فريد الخازن إلى عون احتفاظه بفوائد عن مبلغ قيمته خمسة وثلاثون مليون دولار حوله إلى الخارج عندما كان رئيساً لحكومة موقتة في لبنان بين العامين 1988 و1990. تحدى فريد هيكل الخازن عون بأن يكشف حساباته وحسابات أفراد عائلته في لبنان وخارجه ليتبين من هو الفاسد. هل الفاسد ميشال عون أم فريد هيكل الخازن؟
كان مؤسفاً أن يرد الجنرال بكلام عام رافضاً كشف حساباته كما يفعل رجال السياسة الذين يمتلكون حداً أدنى من احترام الذات. ولكن ما كان مؤسفاً أكثر من ذلك بكثير أن يهرب ميشال عون من الاتهامات الموجهة إليه التي وردت في مؤتمر صحافي لفريد الخازن، استغرق أقلّ من ربع ساعة، ويمكن العودة إليه على موقع laquo;يوتيوبraquo;... إلى مهاجمة المحكمة الدولية. كان مؤسفاً أيضاً ألا يمتلك laquo;الجنرال البرتقاليraquo; ما يكفي من الرجولة ليدافع عن تهمة laquo;البخلraquo; التي وجهها إليه الشيخ فريد الذي اضطر إلى الهبوط إلى مستوى معين في لغة التخاطب. فعل ذلك مضطراً كي يفهم ميشال عون أنه لا يستطيع ولن يستطيع الرد على لائحة الاتهامات الطويلة الموجهة إليه... بل عليه ممارسة عملية هروب إلى أمام لعله يتمكن من تغطية العورات الكثيرة التي كشفها فريد الخازن في من يسمّي نفسه laquo;الجنرالraquo;. من بين تلك العورات احتلال أراض ملك الغير في محيط منزله في منطقة الرابية في المتن. هذه الأراضي عائدة إلى السيدة ميرنا البستاني وهي شخصية معروفة وأول امرأة تدخل مجلس النواب اللبناني في العام 1963 من القرن الماضي!
انه موسم مهاجمة المحكمة الدولية التي تنظر في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه والشهداء الآخرين الذين امتدت اليهم يد الغدر في تلك المرحلة السوداء من تاريخ لبنان. كانت تلك مرحلة من أسوأ المراحل التي مرّ بها الوطن الصغير، خصوصاً أن هدف الذين اغتالوا رفيق الحريري كان إسكات اللبنانيين عن طريق الإرهاب ولا شيء آخر غير الإرهاب. انه موسم الأدوات وأدوات الأدوات التي لا همّ لها سوى المحكمة الدولية. هناك اداة لبنانية صغيرة ذهبت إلى تهديد القوة الدولية الموقتة في جنوب لبنان في حال laquo;تسييسraquo; المحكمة الدولية. من قال ان المحكمة الدولية مسيسة، هل مجرد ورود كلام عن أن المحققين الدوليين استجوبوا، أو ينوون استجواب، عناصر من laquo;حزب اللهraquo; يعتبر كافياً لتصير المحكمة مسيسة، لماذا كل هذه الضجة التي محورها المحكمة الدولية، أوليس الحديث الذي أدلى به السيد حسن نصرالله الأمين العام لـ laquo;حزب اللهraquo; الأربعاء الماضي لتلفزيون laquo;المنارraquo; التابع لحزبه دليلاً على وجود قلق لدى الأمين العام من المحكمة الدولية؟
هناك جواب واحد على كل هذه الأسئلة. المطلوب بكل بساطة تعطيل المحكمة الدولية. يمكن للذين يريدون نسف المحكمة الذهاب بعيداً في سعيهم إلى بلوغ الهدف. لذلك لم تتوان تلك الأدوات الصغيرة التي هددت القوة الدولية في جنوب لبنان عن القول صراحة أن مستقبل لبنان مرتبط بالمحكمة الدولية، وأن لا استقرار ولا أمن فيه ما دامت هناك محكمة دولية. هناك قوى نفّذت جريمة اغتيال رفيق الحريري والجرائم الأخرى. هذه القوى بذلت، ولا تزال تبذل إلى الآن، كل ما تستطيع كي يكون اغتيال رفيق الحريري مجرد حدث عابر، تماماً كما حصل بعد اغتيال الزعيم الوطني كمال جنبلاط، أو الرئيس بشير الجميّل، أو الرئيس رينيه معوض، أو المفتي حسن خالد، أو نقيب الصحافة رياض طه، أو الشيخ صبحي الصالح، أو الرئيس رشيد كرامي، أو داني شمعون، أو النائب ناظم القادري، أو مستشار رئيس الجمهورية محمد شقير. اللائحة طويلة ولا مجال لذكر اسماء كل الشهداء، علماً أن كلاً من هؤلاء يستاهل تكريماً خاصاً به. لماذا اخطأ القتلة في حساباتهم هذه المرة؟ لماذا كان عليهم ارتكاب كل هذه الجرائم، في مرحلة ما بعد اغتيال رفيق الحريري، لتغطية الجريمة الكبرى، ألم يفهموا أن الجريمة لا يمكن تغطيتها بجريمة أخرى، وأن هناك محكمة دولية في انتظارهم؟
في النهاية، هل تفجير لبنان الذي توعّد به صغير بين الصغار يمحو الجريمة، أم تكون الاستعاضة عن التفجير بانقلاب كبير يبدأ بممارسة ضغوط على رئيس الجمهورية كي يغادر قصر بعبدا قبل انتهاء ولايته تمهيداً لوضع اليد على لبنان، كل لبنان؟ هذا الاحتمال يبدو في غاية الجدية. الدليل على ذلك الارتباك الذي بدأ يظهر على الرئيس نفسه واضطراره، بعد الحملة الظالمة التي تعرّض لها، إلى الإعلان منذ الآن عن أنه متمسك بسلاح laquo;حزب اللهraquo;. أي معنى لهذا السلاح بوجود القرار الرقم 1701، وأي معنى لأي سلاح خارج الشرعية اللبنانية بعد غزوة بيروت والجبل ذات الطابع المذهبي الخالص في السابع والثامن والتاسع من مايو 2008؟
لا معنى لأي سلاح خارج الشرعية اللبنانية ما دام هناك انقسام وطني في شأنه. من الآن، يمكن القول ان هذا السلاح سيفشل في تنفيذ الانقلاب الذي يستهدف تغيير طبيعة السلطة في لبنان ومعه طبيعة لبنان نفسه. الرهان على فك الحلف الإسلامي- المسيحي في لبنان سقط مثلما سقط الرهان على اختراق تلك النكتة السمجة التي اسمها ميشال عون للمناطق ذات الأكثرية المسيحية في الثالث والعشرين من يناير 2007 وفي الانتخابات النيابية الأخيرة في يونيو الماضي. المجتمع اللبناني لا يزال قادراً على المقاومة. صوت مي شدياق، الشهيدة الحية، في المهرجان الأخير لـ laquo;القوات اللبنانيةraquo; خير دليل على ذلك. كان ذلك الصوت صوت المحكمة. كان الرد الصارخ على الذين يهاجمون المحكمة. في النهاية من يخشى المحكمة والمحاكمة، هل يمكن لبريء المطالبة بتغيير معالم مسرح الجريمة كما حصل في جلسة مجلس الوزراء اللبناني في اليوم الذي تلى اغتيال رفيق الحريري ورفاقه؟
في النهاية، يمكن استخدام ميشال عون وغير ميشال عون لمهاجمة المحكمة الدولية وتخويف اللبنانيين منها. انها مناورات تشير إلى جدية المحكمة في مجال تحقيق تقدم على طريق كشف القتلة. لم يعد من سؤال حقيقي غير ذلك المتعلق بالمدى الذي سيذهب اليه المدعي العام في وصفه لتفاصيل الجريمة الكبرى والجرائم الأخرى التي تلتها وتحديد الجهة، أو الجهات التي تقف وراءها.