سميح صعب

على رغم ان القمة العربية في مدينة سرت الليبية قد أرجأت النظر في اقتراح الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى quot;إقامة منطقة جوار عربي في رابطة اقليمية مع جامعة الدول العربية بدءاً من تركياquot; ومن ثم الدخول في حوار مع ايران، فإن هذا الاقتراح أحدث حراكاً في بحيرة العالم العربي الراكدة. فللمرة الاولى تطرح رؤية للتوازن الاقليمي مع اسرائيل وتمثل نقضاَ لكل ما يروج في الدولة العبرية عن جبهة مشتركة مع العرب لمواجهة النفوذ الايراني.
ويشكل هذا الاقتراح في حال انتقاله الى حيز التنفيذ، خطوة اولى نحو إخراج العمل العربي في اطار جامعة الدول العربية من نطاق المراوحة التي يتخبط فيها منذ عقود الى فضاء اوسع بحكم التعاون مع دول مثل تركيا وايران، على ان يمتد ذلك لاحقاً الى دول افريقية ومن ثم الى جوار المتوسط وجنوب اوروبا.
ويوفر هذا الفضاء الجديد للعالم العربي متسعاً للتفاعل السياسي والاقتصادي في وقت تتشكل تكتلات اقتصادية عالمية كبرى، تنعكس في ما بعد وزناً سياسياً على الساحة الدولية. ولعل أقرب مثال على ذلك ما احدثته المواقف التركية الحاسمة حيال اسرائيل منذ الحرب الاسرائيلية على غزة، من تأثير على صورة اسرائيل، التي اعتادت ان ترى في تركيا حليفاً وثيقاً على صعيد التعاون العسكري والاقتصادي.
أما اليوم فإن الصورة تختلف تماماً، فتركيا التي وثقت علاقاتها مع سوريا ومع دول عربية أخرى، تقف في الجانب الاخر من المشهد السياسي في المنطقة. ويبدو ان اسرائيل على وشك ان تفقد التأييد التركي الذي اعتادت عليه طوال عقود. وتطرح أنقرة نفسها وسيطاً بين سوريا واسرائيل بعدما اضطلعت بمثل هذا الدور الى ان شنت اسرائيل حربها على غزة. ولا تزال الحكومة التركية تتطلع الى مثل هذا الدور، إلا ان مواقف رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان المنددة بالسياسة الاسرائيلية حيال الفلسطينيين تجعل رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو يرفض ان تضطلع انقرة بدور الوسيط على رغم موافقة واشنطن على هذا الامر.
ومع الابتعاد عن اسرائيل تقترب انقرة اكثر من العرب. وكان لانطلاق قناة تلفزيونية تركية تبث بالعربية مغزى كبير لسياسة الانفتاح التي تتبناها تركيا حيال العالم العربي. وبلغ الامر بأردوغان حد القول ان quot;لا معنى للعالم من دون العربquot;.
واذا كان هذا حال الوضع مع تركيا التي لا تشكل العلاقة معها حساسية بالنسبة الى معظم الدول العربية، فإن الحال مع ايران تختلف بعض الشيء في ظل تحفظات مصرية وسعودية عن قيام تعاون مع طهران بسبب ما تعتبره القاهرة والرياض تنامياً للنفوذ الايراني في المنطقة في العقد الاخير ولا سيما في العراق ولبنان وفلسطين. ولا تنظر مصر بعين الرضا الى الكثير من المواقف الايرانية الاقليمية وتتحفظ والسعودية حيال بروز ايران دولة اقليمية تتمتع بكل هذا النفوذ.
من هنا أتى اقتراح موسى البدء بحوار مع طهران quot;للنظر في المشاكل العالقةquot; بين ايران ودول عربية، علماً أن مواقف اكثر الدول العربية قلقاً من ايران لم تؤيد حتى الان اللجوء الى خيارات غير ديبلوماسية لمعالجة الملف النووي الايراني. كما ان اقتراح موسى لا يفترض ان ثمة تناقضاً جوهرياً في المصالح بين الدول العربية وايران، بخلاف ما هي الحال مع اسرائيل.
لذا امام الدول العربية فرصة الآن لتفعيل عملها مع تركيا وايران وافريقيا وصولاً الى تحقيق ذلك التوازن الاقليمي المفقود منذ زمن مع اسرائيل. ليس هذا فحسب وإنما الانتقال الى آفاق جديدة من التعاون السياسي والاقتصادي.