Mohamed Khattab

يروي هيو بوب في كتابه الأخيرquot; العشاء مع القاعدةquot; تجربته في الشرق الأوسط خلال أكثر الفترات اضطرابًا في المنطقة. ولا يقتصر المؤلف على رواية ما يحدث على أرض الواقع، وإنما يعطينا رؤية مهمة حول سياسة الصحافة بالنسبة لقضايا هذه المنطقة الساخنة من العالم ..

يذكّرنا كتاب هيو بوبquot; العشاء مع القاعدةquot; الذي يروي فيه مشواره المهني كصحافي في الشرق الأوسط ، بمغامرات إنديانا جونز. والكتاب مفيد جدًا بالنسبة لأي شخص معنِيٍّ بمهمة تقديم منطقة الشرق الأوسط بدقة للمراقبين الغربيين. فهو أكثر من مجرد سرد تاريخي أو سياسي للمنطقة إنما سيرة ذاتية تعكس خبرة بوب بمنطقة الشرق الأوسط.


هذا لا يعني أن الكتاب يفتقر إلى العمق. فقد نجح هيو بوب في تحقيق ما يطمح إليه المعلمون في حجرة الدارسة، بصياغة الخصائص السياسية والاجتماعية والاقتصادية في المنطقة استنادًا إلى خبراته. فالكتاب يعلم ويلهم ولكن بطريقة غير مباشرة.

ومن خلال إسلوب متميز ينجح بوب في أن ينقلك عبر صفحات كتابه من أيام دراسته كطالب يقوم بدراسة اللغتين ـ العربية والفارسية ـ في جامعة أوكسفورد إلى الفترة التي عمل فيها مراسلًا في الشرق الأوسط لأكثر من صحيفة معروفة في الغرب، ويستعرض العديد من دول منطقة الشرق الأوسط. ومن هنا ينجح في تزويد القارئ بالرؤية والمعلومات عن العديد من البلدان التي تشكل منطقة الشرق الأوسط بطريقة تعجز عنها معظم الكتب الأخرى.

ورغن أن المقالات التي يتضمنها كتابه قد تبدو في البداية منفصلة مكانيًا وزمانيًا، إلاأنها في نهاية الأمر تتضمن خليطًا شاملًا للمنطقة بدءًا من إيران بعد الثورة الإسلامية إلى العراق في مرحلة ما بعد الغزو. وهذا يوضح نجاح بوب في أن يكون له حضور في اللحظات المحورية والحاسمة في تاريخ المنطقة.


وفي روايته للأحداث، لم يحصر بوب نفسه في المعلومات التي استطاع قراءتها في الكتب الإرشادية أو علم بها من خلال وسائل الإعلام ، ولكنه عمل على تسليط الضوء على دول الشرق الأوسط وأحداثها التاريخية كما عاشها في ذلك الوقت.


وتتجاوز أهداف هذا الكتاب مجرد تسليط الضوء على المواجهات الثقافية التي ربما يجد فيها المثقفون الغربيون متعتهم عن طريق عقد لقاءات مع الإرهابيين والمسئولين والنساء في المنطقة. حيث يكشف بوب عن عيوب ومزايا الصحافة نفسها بالنسبة للمنطقة.


وبالرغم من صعوبة السير على خطى بوب، فإنه قطع شوطًا مهمًا في تسليط الضوء على اثنتين من القضايا التي كان لها انعكاسات كبيرة على العلاقة بين الصحافة وصنع السياسات. فبوب يرى أنه بالرغم من التزام أكثر الصحف شهرة في الغرب بأخلاقيات المهنة إلا أن ثمة عقبات تقف في طريق عرض الشرق الأوسط بصورة دقيقة.


وتقف التعديلات التي يجريها المحررون والرأي العام السائد في الشرق الأوسط عقبة أمام الرسالة التي يرغب الصحفيون في توصيلها لقرَّائهم. ولعل أبرز مثال على ذلك، كما يشير بوب، هو قضية الصراع العربي الإسرائيلي، والتي لا يمكن لأي صحفي نشر أي أخبار عنها إلا عندما يقرنها بالحديث عن احتمالات تحقق السلام. ولذا يوضح بوب أنه على الرغم من النوايا الحسنة للصحفيين، فإنه في نهاية المطاف، تنشر الأخبار المهمة في الصفحات الأولى للجرائد بشكل يخفف كثيرًا من الأثر الذي كان ينبغي عليها أن تحدثه.


ومن ناحية أخرى إيجابية، ينتهز بوب الفرصة لوضع الأمور في نصابها من خلال هذا الكتاب. حيث إنه لم يكتفِ فقط بسرد العقبات، ولكن يتجاوزها موضحًا للقارئ الطرق المختلفة لكيفية التغلب عليها. ويخلق هذا الأسلوب الذي يتبعه بوب في السرد، والرؤية العميقة النابعة من خبرته الشخصية، رابطة قوية بينة وبين القارئ، مما يجعل كتاب quot;العشاء مع القاعدةquot; ممتعًا ومفيدًا جدًا.
وهناك أيضًا بعد عاطفي مهم في كتاب بوب الأخير، بجانب ما يوضحه من خفايا سياسة الصحافة الغربية. فنظرًا لكون بوب دارسًا لثقافة ولغات الشرق الأوسط، من الصعب عليه أن يحتمل النظر إليه على أنه جاسوس، بدلًا من الاعتراف به كباحث موضوعي لا يبغي سوى معرفة وكشف الحقيقة. وإلى جانب ذلك، يسلط بوب أيضًا الضوء على الأخطار الجسيمة التي يتعرض لها الصحفيون العاملون في المنطقة.


فغالبًا ما يميل القارئ إلى نسيان المخاطر التي يتعرض لها الصحفيون في الشرق الأوسط من أجل الحصول على موضوعات دقيقة ومثيرة للاهتمام. ولكن قدرة بوب على أن يقدم للقارئ الجوانب المختلفة لطبيعة عمله، والمتاعب التي يتعرض لها بشكل يومي، تعد من الأمور التي تثير الإعجاب. كما يعد الكتاب من ناحية أخرى، إحياءً لذكرى زملائه وأصدقائه الذين ماتوا وهم يؤدون واجبهم.

quot;العشاء مع القاعدة quot; ليس مجرد كتاب وإنما شهادة دامغة على قدرة هذا الصحفي في الاستحواذ على قرَّائه. فعلى الرغم من صعوبة تقديم شرح وافٍ لما يحدث في هذه المنطقة المعقدة خلال ثلاثة عقود من الاضطراب، فإن بوب نجح في تحقيق كل الأهداف التي أراد إنجازه وعلى الرغم من أن الكتاب ليس عملًا تاريخيًا أو سياسيًا، فإنه لا غنى عنه في مجال دراسة الشرق الأوسط، لا لشيء إلا لأنه نقل وجهة نظر فريدة من خلال المزيج المتنوع من المقالات التي يحتويها.