نسيم الخوري

ما عدد الأحزاب والجمعيات السياسية في لبنان؟ طرحت هذا السؤال على طالباتي وطلاّبي في الجامعة، الذين طرقوا الأبواب الرسميّة، ولم يجدوا جواباً نهائياً عن السؤال إلاّ في مركز النشر اللبناني الذي أحصى 719 حزباً وجمعية وهيئة في لبنان بين الـ 1926 والـ ،1972 ومعظمها يتعاطى الشؤون السياسية والاجتماعية، وللعديد منها علاقات بالمؤسسات الإقليمية والدولية . لماذا هذا العدد الكبير؟ أجابت طالبة: لا يوجد أية مؤشرات ديمقراطية أو حرية وراء ذلك بقدر ما هو ناتج عن ذلك القانون القديم في إنشاء الجمعيات والأحزاب الذي كان فرنسياً وترجم من الفرنسية الى العربية بعد الإستقلال وما زال .

لكن أين أصبح هذا الرقم بعد الـ1972؟

لا جواب دقيقاً تمّ العثور عليه بسبب الحروب والنزاعات والإقبال اللبناني على الثقافات الحزبية والعسكرية والسياسية والمذهبية بالطبع التي بلغت أوجها اليوم بالثقافة المذهبية . كان لا بدّ، إذن، من التماس طريقة أقرب الى العلمية للحصول على جواب معقول . عمدنا الى فتح أرشيف بعض الصحف اللبنانية بين 22 و29/1/1994 ، أي الأيام السبعة التي أعقبت استشهاد الرائد باسل نجل الرئيس حافظ الأسد بعد حادث سيّارة أودى به على طريق مطار دمشق، كما الى متابعة أرشيف الصحف نفسها بعد مقتل الرئيس رفيق الحريري بين 14 و21 فبراير/ شباط 2005 . وهذان الحدثان أوصلانا، بعدما أهملنا بالطبع منها الجمعيات العائلية، الى إحصاء 827 حزباً وهيئة سياسية ومدنية تتعاطى الشأن العام، إذ تستنكر وتدين وتشارك في مناسبات وطنية وإجتماعية وقومية . هناك إذن زيادة لـ 108 هيئات في عشر سنوات تقريباً أي عشرة أحزاب كلّ عام أي أكثر من حزب واحد كلّ شهرٍ في لبنان .

ما هذا؟

تصوّروا هذا الرقم الخيالي الذي لو قسّمناه على عدد سكان لبنان الذي لا يعرفه أحد منذ الاستقلال ويمكننا اعتباره أربعة ملايين تقريباً، يكون الحاصل 4836 شخصاً لكل حزب أو هيئة . ولو أسقطنا القاصرين فيهم وغالبية النساء اللواتي لا يهتممن بالسياسة والمستقلين لوجدنا أن أعضاء هذه الأحزاب والهيئات اللبنانية تكاد لا تتجاوز أصابع اليدين بما فيها الرؤساء والأمناء العامين وأعضاء المكاتب السياسية وأعضاء الأمانات العامة وسائر الأعضاء العاديين . هكذا إذن نجد أحزاباً وصلت الى البرلمان وعدد أعضائها لا يتعدّى الرئيس وإثنين أو ثلاثة من أبناء العمومة أو الأقارب والسائق والمرافق هم الحزب كلّه، كما نجد أحزاباً تقليدية متجذّرة محدودة العدد تتوارثها الأجيال، ونجد كذلك أحزاباً توسّعت الى تيّارات تشوبها الألوان المذهبية والمناطقية، وهي محكومة بالعادة أو بالالفة لوجوهٍ صارت جزءاً من ديكورات السلطة في المؤسسات التمثيلية، أو محكومة بالإغراءات المادية وغير المادية .

كيف يمكن التغيير إذن في وطن التوريث سألت؟

أجاب زميل تعليقاً على مبدأ توريث السلطة والمنصب في لبنان، أنّه غادر الوطن بفعل الأحداث لفترة خمسة عشر عاماً، وكان اللبنانيون كلهم قد أدمنوا إعلاناً عمره من عمر شاشة التلفزيون الرسمي يروّج له أبو فؤاد بصورته وصوته ونظارتيه . هو مسحوق ثلاثة بواحد يمكن استعماله للغسيل والجلي والتنظيف، وترفع فيه سيّدة لبنانية الصحن المنظّف بالمسحوق مثل المرآة، فترى وجهها في الصحن، بينما يخاطبها أبو فؤاد بقوله: ldquo;فيك تشوفي حالك بهالصحنrdquo; .

مات أبو فؤاد، وتمّ توريث الدور لابنه فؤاد . نعم لابنه فؤاد الحقيقي الذي يتابع اليوم تأدية دور أبيه في الإعلان نفسه من دون أيّ تغيير في الشكل أو في النص . يبحثون عن التغيير وليسوا قادرين على تغيير إعلان؟

ماذا تفعل هذه الأحزاب والهيئات؟

لكل منها رئيس وأمين عام يتناوبان على الحضور فرادى أو معاً في المناسبات الاجتماعية والدينية والأعياد الوطنية التي تحييها السفارات بمناسبة استقلال بلادها . هما جاهزان في وسائل الإعلام الكثيرة في مواقف وبيانات وزيارات واستنكارات وإدانات وشجب وثناء ودعم وتعليق على مقابلات وخطب يلقيها أو يقيمها زعماء محليون وعرب وأجانب . أهمّ ما في أنشطتهم تكريم الإعلاميات والإعلاميين ومداراتهم وتبجيلهم ودغدغة سلطاتهم المستجدة الكبيرة لتأمين صورهم في وسائل الإعلام أساس العمل السياسي، وخصوصاً المرئية والمسموعة منها .

ماذا تفعل تلك الأحزاب؟

تكراراً نردّد أنه ما زال لكلّ حزب شعار خاص، وعلم خاص، ولون خاص، ونشيد خاص، وجيش خاص، ووحدات خاصة، وألبسة خاصة ومدارس خاصة ومؤسسات خاصة، وجامعة خاصة، وإذاعات خاصة، وشاشة خاصة، ولغة خاصة، ونبرة خاصة وخطاب خاص، وأرقام سيارات وآليات وهواتف ومحمولات خاصة، وعلاقات خاصة محلية وإقليمية ودولية؟

ماذا تفعل هذه الأحزاب حيال التحولات التي حصلت وتحصل وستحصل تجاه المشهد السياسي العام والعلاقات العربية العربية وفلسطين والعلاقات اللبنانية السورية؟

الجواب: يدور مجرى الحبر واللسان لديها دورة كاملة، فمن كان يسمع من المواطنين أبشع التهم وأقذعها يسمع اليوم عسلاً في الكلام وربيعاً في السلوك، وكأن شيئاً لم يكن . من لم يصدّق، فليسمع التعليقات ومباريات السياسيين والإعلاميين والكتّاب في توصيف النصوص والتعليق مثلاً على المقابلة الأخيرة التي أجراها الرئيس الأسد من على شاشة ldquo;المنارrdquo; . كان الصحافي الصديق السوري يجول منذ عام حاملاً السراج والفتيلة بحثاً عن تصريحٍ إيجابي عاقل في الموضوعات السورية، وكانت الخيبة تصفعه حتّى ممّن كانوا يعتبرون من أقرب المقرّبين الى سوريا، باستثناء أهل الضاحية الجنوبية التي لجأ اليها تاركاً مكتبه في شارع الحمراء، من دون أن ننسى أصدقاء المقاومة ودمشق بالفعل لا بالتصريح . من لا يصدّق فليراجع الرتابة في الأسماء التي كانت تصرّح في الإعلام السوري المكتوب .

كيف ننسج وطناً واحداً من هذا؟

اسألوا الرئيس ميشال سليمان الذي نخروا له زوايا بعبدا وهم يلحّون عليه كل من جانبه بقلب الطاولة، وهو حتماً ليس بقالبها لا عن ضعفٍ بل عن قوة وحكمة، كون العلّة هي أساساً في تشظيات السياسة وهو الطالع من المؤسسة الخضراء، أعني الجيش السلطة التي ldquo;تخضع خضوعاً تامّاً للسلطات السياسيةrdquo; كما جاء حرفياً في دستور الطائف . ليس هناك من معجزة حالياً أفضل من الوطن التوفيقي، حيث لم يخرج اللبنانيون بعد من جروحهم البليغة الكبرى .

ليته يعمل في خلال عهده على قانون جديد ومعايير وطنية وشاملة للأحزاب في لبنان .