حليمة مظفر

اليوم هو السادس والأخير لي في السودان؛ والذي تنتهي فيه غدا الثلاثاء أولى تجاربه في الانتخابات السياسية بعد حكومة الإنقاذ التي دامت ربع قرن؛ شعر خلالها المواطن السوداني بتحسن أوضاعه ولو بقدر ضئيل؛ بعد معاناة طويلة عاشها خلال الاستعمار وبعد الاستقلال؛ في هذا البلد النيلي الذي يحظى بأكبر مساحة في إفريقيا، ويتكون من خمس وعشرين ولاية؛ تتعدد فيه الديانات من الإسلام إلى المسيحية إلى الوثنية إلى اللادينية في ظل امتزاج عرقي عربي إفريقي.
هذه الزيارة التي quot;ورطنيquot; أقصد quot;أكرمنيquot; بالترشح لها مشكورا رئيس التحرير جمال خاشقجي؛ وشاركني خلالها مساعد رئيس التحرير الزميل عمر المضواحي؛ كنت أحسبها quot;ورطةquot; في بادئ الأمر؛ وquot;مُغامرة quot; غير محسوبة النتائج نصحني المقربون بعدم خوضها؛ فأن تكتشف الآخر في ظل وقت مأزوم بالتوتر السياسي داخليا؛ قد يفضي بأعمال عنف في الشارع السوداني، كما روجت الصحافة العالمية وقرأته قبل سفري وخلاله؛ فذلك يعني أنك تضع حياتك على quot;كف عفريتquot;؛ لكن العكس تماما هو ما كان يحدث ونحن نتجول في شوارع الخرطوم؛ فقد كان الوضع قبل الانتخابات هادئا جدا والمواطنون متحمسين لتجربتهم السياسية الأولى نحو الديمقراطية .
وبالرغم من أن هذه التجربة كانت مُتعبة ومرهقة كونك تعيش ظروف الإنسان السوداني الذي يعيش تحت ظل الحصار الأمريكي لما يقارب العشرين عاما والضغوط السياسية العالمية بسبب quot;أزمة دارفورquot; لكن في ذات الوقت كانت ممتعة وغنية لحد كبير؛ أثرت تجربتي الإنسانية والمعرفية؛ فأنت القادم من مجتمع ينعم بالأمن والأمان وتتوفر فيه سبل الراحة المعيشية، تتعلم ببساطة من الإنسان السوداني كيف تتصالح مع ظروف الحياة المرهقة والمتعبة التي لا تتوفر فيها الضروريات قبل الكماليات؛ بصبر عظيم وإيمان كامل؛ دون أن يفقد قدرته على الضحك وقول النكتة؛ أو تجبره على التخلي عن طيبته أو الاحتفاء بضيوفه وإكرامهم بشهامة رغم ضيق يده وقلة المادة؛ وفوق كل هذا فإن الابتسامة لا تفارق ملامحه السمراء؛ وهذه الأخيرة كانت محل تأملي الطويل؛ كي أسال : لماذا لايتمتع بها الكثيرون منّا رغم ما يتوفر لنا في مجتمعنا من إمكانات معيشية ممتازة وسبل حياتية ممتعة قدر المستطاع؟!.