محمد كريشان
تقدم 21 نائباً بمجلس الشورى المصري قبل يومين بطلب إلى الحكومة لتخصيص 'هايدبارك' يمارس فيه المواطنون حقهم في التظاهر السلمي أسوة بحديقة 'هايدبارك' في لندن. ودعا النواب في الطلب الذي سلموه إلى صفوت الشريف رئيس المجلس لإبلاغ الحكومة به إلى معرفة سياسة هذه الأخيرة، وخاصة وزارة الداخلية، في انتشار المظاهرات خلال الآونة الأخيرة. وقال النواب إن التظاهر حق دستوري تنص عليه المواثيق الدولية لحقوق الإنسان وان الأمر أصبح يستدعي تحديد مكان واحد للتظاهر واقترحوا أن يكون مكان انتظار السيارات أمام ستاد القاهرة بمدينة نصر وأن يتم التظاهر في حراسة أجهزة الأمن وتمكين المشرفين على المظاهرة من إخطار أجهزة الإعلام بعد موافقة الأمن.
رغم أن مبادرة من هذا القبيل تعتبر جيدة على الأقل لجهة تذكير أصحاب القرار أن نزول الناس إلى الشارع للتعبير عن موقف ما هو حق من حقوق الانسان الأساسية، إلا أنها تعكس للأسف الشديد إلى أي مدى ما زلنا نتحرك في بلادنا العربية في ذات المربع الأول الذي نخوض فيه في الحدود الدنيا لشروط المواطنة في وقت تجاوزتنا فيه كل قارات الدنيا الأخرى بما فيها تلك التي كنا ننظر إليها نظرة استعلاء معينة كإفريقيا.
المظاهرات الوحيدة المسموح بها في بلادنا والتي لا تحتاج إلى أي ترخيص أو إعلام، والتي تؤمن لها الحماية اللازمة وتفتح في وجهها كل الشوارع الكبرى والساحات هي إما مظاهرات مشجعي كرة القدم أو المظاهرات المؤيدة للحكومة وبخاصة رئيس البلاد. في بريطانيا وغيرها، المظاهرات هي إحدى وسائل التعبير جنبا إلى جنب مع الصحافة الحرة والأحزاب والانتخابات النزيهة، أما عندنا فالمظاهرات في غياب كل ما سبق لا تعدو أن تكون تنفيسا يمنع الانفجار ومع ذلك تكتم أنفاسها!! الأدهى أن دولنا تعتبر منع المظاهرات أو قمعها يأتي من باب الحرص على النظام والأمن في البلاد فضلا عن اعتبار السماح بالمظاهرات المناهضة لسياساتها نوعا من بخس مكانتها ودليل ضعف يمس هيبتها مع أن دولا عريقة وقوية ألف مرة من دولنا لا يخطر على بالها هذا النوع من التفكير إذ أن هيبة الدولة في احترام القوانين وصون كرامة المواطن وحريته وليس العكس.
للإنصاف فقط نقول أن دولا عربية لا يتجاوز عددها أصابع اليد تشهد منذ فترة أو هذه الأيام عددا من المظاهرات ولكن لكل بلد سياقه وظروفه التي تبرر الأمر بحجج أقوى من مجرد رحابة صدر غير أكيدة. في لبنان مظاهرات ضخمة تخرج لهذا التيار أو ذاك وفي بلد كلبنان لا يمكن قمع هذه المظاهرة دون قمع غيرها وبالتالي فالأسلم السماح لها جميعا. في العراق مظاهرات يومية خاصة في الأجواء الانتخابية لكن الدولة أضعف من ان تواجهها خاصة وأن معظمها هي من مريديها فضلا عن أن المظاهرات ضد الاحتلال الأمريكي لا يزعج كثيرا. أما في اليمن فالمحافظات الجنوبية مشتعلة منذ أشهر لكن الحكومة تفرق أحيانا وتتجاوزها أحيانا أخرى حرصا على ألا تصل الأمور إلى مرحلة الانفجار الكامل العصي على كل حل.
وفي بعض ذروة القمع الإسرائيلي للفلسطينيين قد تسمح بعض الحكومات العربية ببعض المظاهرات المنظمة والمحسوبة بدقة شديدة والتي لا تتحرج في توظيف بعضها حتى تظهر أمام شعبها بمظهر الحريص على قضية العرب المركزية ... أما قضايا شعبها الرئيسية..فيفتح الله!!
التعليقات