محمد مساعد الدوسري

للوهلة الأولى، قد يتراءى لمتابعي الشأن السياسي في المنطقة أن ما يجري في قطاع غزة، إنما هو محاولة لإعادة الأمور إلى نصابها الطبيعي ليس إلا، من خلال إجبار حركة laquo;حماسraquo; على إعادة تسليم القطاع إلى السلطة الفلسطينية -المعترف بها دولياً بشكل كامل، وبشكل جزئي عربياً- وما يتبعه من رأب للصدع الذي شاب العلاقة بين حركتي فتح وحماس، بما نجم عنه من اقتتال داخلي بين الفلسطينيين، كاد يتطور إلى حرب أهلية بين الشعب الواقع تحت نير الاحتلال الاسرائيلي، إلا أن الظاهر في هذا الصراع، كما يبدو، يخفي أكثر مما تتداوله وسائل الإعلام.

إن انتماء حركة حماس للفكر الإخواني، بل وتلقيها التعليمات والإرشادات من قادة التنظيم الدولي، أمر معروف للعامة، كما أن سيطرة الفكر اليساري -الذي تحوّل في اتجاه الليبرالية الجديدة- على حركة فتح، ومن ورائها منظمة التحرير الفلسطينية، يبدو جلياً منذ قيامها حتى الآن، وعلى ذلك فإن ما يجري على الساحة الفلسطينية، هو على المنوال ذاته لما كان يتم منذ بداية الصراع العربي الإسرائيلي، إذ أن قيام عدد من الدول العربية بتمويل بعض الحركات، أو الفصائل الفلسطينية، وتوفير الغطاء لها، في مقابل تسليم القرار والخضوع للأوامر عند قيام الصراعات فيما بين هذه الدول، هو من الأمور المسلّم بها منذ أمد بعيد.

الجديد في معادلة صراع المحاور الفكرية العربية، هو عودة الفكر السياسي الإسلامي من جديد إلى الساحة الفلسطينية، بعدما أُبعد من المشهد باكراً إثر الانتكاسة التي منيت بها حركة الإخوان المسلمين في أعقاب ثورة الضباط الأحرار في مصر، على رغم أنها بدأت برافعة الإخوان المسلمين، وانتهت بالانقلاب، بل وإعلان الحرب عليها، ونصب المشانق لقادتها. ومعروف أنه في تلك الفترة، كان للفكر الإخواني وجود كبير بين فصائل العمل المسلح الفلسطينية، إلا أن الهجمة المبكرة على الأخوان، أدت لانسحابهم من الساحة السياسية الفلسطينية، ومن ثم عملوا على لملمة أطراف تنظيمهم، والانخراط في العمل الدعوي والخيري لفترات طويلة، حتى عادوا من جديد، لكن من الداخل الفلسطيني هذه المرة، وبمساعدة التنظيم الدولي، وأفرع الحركة في البلدان العربية والإسلامية.

يعتبر الصراع الدائر بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي، ذروة العمل السياسي العربي، ولنا في استغلال هذه القضية من قبل عدد كبير من الأنظمة العربية عِبرة. وطالما كانت ورقة الصراع الإسرائيلي - العربي كثيرة الاستخدام في فترات طويلة، وبينها ما تم من عمليات تصفية متبادلة بين بعض هذه الأنظمة العربية باسم القضية الفلسطينية، إما بالمزايدة، وإما بإضعاف موقف الجهة المقابلة من خلال تحريك فصائل فلسطينية لزعزعة الاستقرار لدى جبهة الطرف الآخر، أو حتى تكليف هذه الفصائل بالأعمال التي لا تستطيع هذه الدول أن تقوم بها مباشرة، أو في العلن.

ما يجري هذه الأيام في قطاع غزة، يعتبر أنموذجاً جديداً للعمل السياسي العربي الذي ما انفك يبحث عن ساحات عمل جديدة، ومنها دفع الإخوان المسلمين بحركة حماس لتمثّل رأس الحربة لهم في المنطقة، بعدما تعرضوا لحروب شرسة من عدد كبير من الأنظمة العربية، وما تتعرض له غزة من حصار شديد، والذي

لا يمكن تصديقه، هو مرتبط بشكل أساسي بهذا الصراع بين الإخوان المسلمين والجهة الأخرى الرافضة لوجودهم السياسي، أو تمدده.

إذن، ما هو موقع تركيا من كل ما يجري؟.. إن النظام الأردوغاني الجديد متصل بشكل أساسي بالحركات السياسية الإسلامية، وبينها حركة الإخوان المسلمين، ويعتبر دخوله على خط الأزمة بين laquo;حماسraquo; المحاصرة، والدول العربية الرافضة لهذه السيطرة الإخوانية، الفرصة الأخيرة لإعادة التوازن بين الجهتين، ولتخفيف الحصار والاحتقان الذي قد ينهي هذا المشروع الاخواني، ليدخل في خانة الفشل التي كان للإخوان تجارب سابقة كثيرة معها في عدد من البلدان العربية.

حصار غزة هو جزء من الحصار المفروض على الإخوان المسلمين في بلدانهم الأصلية.

وعلى ذلك، فإن خطورة الموضوع تتلخص في نقل الخلافات الفكرية بين الأنظمة العربية والحركات السياسية الإسلامية إلى أرض المعركة مع العدو الإسرائيلي، وهو ما استفاد منه العدو بشكل منقطع النظير، نتيجة عدم قدرة هذه الأنظمة العربية على حلّ خلافاتها، واستيعاب الحركات السياسية الإسلامية التي نشأت، مثلها مثل كل الحركات الأخرى، من رحم الشعوب العربية لا من خارجها.