الياس سحاب

تمر الذكرى السابعة للاحتلال الأمريكي للعراق ونحن أمام مشهد سياسي يدفع إلى التشاؤم، إذا أردنا اعتباره الحدث الأبرز في العقد الأول من القرن الجديد، ويدفع إلى الخوف والقلق إذا اعتبرناه نموذجاً مبكراً للمصير السياسي الذي ينتظر البشرية في القرن الحادي والعشرين .

لقد مر القرن السابق بمحاولة أولى لتنظيم الحياة السياسية الدولية عبر منظمة دولية أطلق عليها اسم ldquo;عصبة الأممrdquo; . حاولت أن تعبر في مواثيقها عن درجة رفيعة من الرقي السياسي الذي وصل إليه الاجتماع السياسي البشري . لكن شراسة التطاحن بين الأمم الأوروبية، بعدما أفرز القرن التاسع عشر الذي عرف بانتشار النزعة القومية في أوروبا، ظاهرتي الفاشية والنازية . وأدى هذا التطاحن كما هو معروف في نهاية الحرب العالمية الثانية إلى انهيار كل ما كانت تمثله عصبة الأمم من طموحات وآمال، مقارنة بالواقع البشع الذي خضعت له البشرية كلها، تحت أهوال صراع الأمم .

وعندما أقيمت على أنقاض عصبة الأمم المنهارة منظمة دولية جديدة، أطلق عليها اسم الأمم المتحدة، تفننت البشرية في دفع نخبة من صفوة عقولها الراجحة، إلى صياغة مواثيق دولية جديدة روعي فيها أن تبنى على خلاصات وعبر المآسي السياسية البشرية عبر التاريخ، حتى يتعلم المجتمع البشري من دروسها، ولا يفكر في العودة إليها .

والذي يعقد مراجعة شاملة لكل مواثيق الأمم المتحدة، الأساسية، واتفاقياتها الفرعية، يعتقد أن البشرية مقبلة على عصر من الرقي الحضاري المثالي القائم على تعميم العدالة عالمياً، وعدم السماح بمس أي حق من حقوق الشعوب أو حقوق الإنسان، أو حقوق المرأة، وحتى حقوق الطفل .

لن نستعرض كل خيبات الأمل المبكرة، التي جعلت هذه الأمم المتحدة، بهذه المواثيق المثالية، تفتح عهدها الجديد بتشريع اغتصاب فلسطين، وتشريد شعبها، لكننا نفقز رأساً إلى حالة المجتمعات البشرية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، في عهد احتكار الامبراطورية الأمريكية زعامة الكرة الأرضية، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي .

ومع أن الآمال في الأمم المتحدة، كمنظم حضاري لتعايش المجتمعات البشرية، قد بدأت تخيب أملاً بعد أمل، طيلة النصف الثاني من القرن العشرين، فإن الامبراطورية الأمريكية الجديدة، ما إن استتب لها احتكار زعامة العالم، حتى بدأت تتصرف كأن هيئة الأمم المتحدة، على علاتها، ليس لها أي وجود .

هل تذكرون الأيام القليلة التي سبقت الغزو الأمريكي للعراق؟

لقد حاولت واشنطن يومها أن تفرض على الأمم المتحدة قراراً دولياً بغزو العراق، (يذكرنا بقرار تقسيم فلسطين، الذي فرضته أمريكا أيضاً على الأمم المتحدة)، ولما فشلت المحاولات الأمريكية في أروقة الأمم المتحدة، قررت أمريكا شن الحرب على العراق بلا قرار دولي، بل هي فعلت ذلك مع تهديد للأمم المتحدة بأنها ستدفع باهظاً ثمن عدم مسايرتها الرغبات الاحتلالية الأمريكية . أما الغطاء ldquo;القانونيrdquo; البديل الذي اخترعته واشنطن لتغطية غزوها، فهو تخليص البشرية من أسلحة الدمار الشامل التي هي واثقة من امتلاك النظام العراقي لها .

مرت سنوات سبع على هذه الحادثة المأساوية التي لا حدود لبشاعتها، وأصبح بالإمكان إعداد جداول بأرقام موثقة مؤكدة، عن مختلف الكوارث البشرية والقانونية والاقتصادية والحضارية، لسبع سنوات من الاحتلال الأمريكي للعراق .

إن بعض الأرقام التي أعلنتها وكالات الأنباء العالمية في هذه المناسبة، تبعث القشعريرة في الأبدان:

ملايين القتلى العراقيين . ملايين المهاجرين العراقيين إلى خارج العراق . ملايين اللاجئين العراقيين داخل العراق . آلاف مليارات الدولارات من ريع نفط العراق في هذه السنوات السبع، وريع المجالات الاقتصادية الأخرى في العراق، ذهبت إلى جيوب القراصنة واللصوص، وما زالت إلى يومنا هذا، إضافة إلى نهب وتدمير المتاحف العراقية، ناهيك عن الجريمة الكبرى بتدمير الاحتلال الأمريكي طيلة هذه السنوات السبع، للنسيج الاجتماعي العراقي بالغ الغنى والتنوع منذ آلاف السنين .

كل ذلك واضح للعيان داخل العراق وخارجه، ومع ذلك نرى القوى السياسية العراقية تتلهى هذه الأيام بعدد الأصوات الانتخابية، وعدد المقاعد الانتخابية .

إن بشاعة جردة بيان ما فعله الاحتلال الأمريكي بالعراق وشعبه طيلة السنوات السبع المنصرمة، كفيلة وحدها بأن تحدث صحوة سياسية كبرى لدى كل من يعمل في السياسة داخل العراق اليوم، فلا يكون لهم فقط هدف واحد بالإجماع على الدعوة والعمل لإخراج الاحتلال الأمريكي، (وهو أمر بالغ السهولة إذا اجمعت عليه كل القوى السياسية في العراق)، بل هدف آخر يوازيه أهمية هو تنظيم مذكرة دعوى قضائية أمام مجلس الأمن أو محكمة العدل الدولية، تطالب باسم العراق وشعبه، بمحاكمة الاحتلال الأمريكي، والمسؤولين عنه قديماً وحديثاً، بناء على قائمة موثقة بالويلات التي حلت بالعراق، طيلة سنوات سبع مرت من الاحتلال الأمريكي .

إن أي برنامج سياسي آخر غير هذا، لأي بؤرة سياسية عراقية، يبدو ضرباً من العبث ومن الاستهانة بفظاعة التدمير الذي حل بالعراق على يد الاحتلال الأمريكي، ولا يزال مستمراً ومتفاقماً .