مبارك عبد الله الذروة
يروي لنا التاريخ الكويت السياسي عن مؤسسي المجلس التشريعي الأول عام 1938 وما بعده، وخلافهم مع الحكم آنذاك والذي وصل إلى التمترس في قصر نايف مقابل دسمان، ومنعهم تسليم السلاح والذخيرة، ومحاولة نقض معاهدة بريطانيا في ذلك... وما سبّبه ذلك من فوضى وقتل. قتل محمد المنيس والقطامي... بطلقات نار في السوق، وفي ظل الفوضى وغياب العقل!
تلك القصة التي نتج عنها سجن البعض من أبناء الأسر الكويتية الكريمة لم يقلل من شأن انتمائهم الخالص للبلاد، ولا ولائهم للكويت، ولا يمكن أن يطعن بهويتهم فقد سعوا إلى فتح باب الحريات ومشاركة الشعب للسلطة من خلال ميثاق ينظم العمل وإدارة شؤون البلاد. وكان الشيخ أحمد الجابر رحمه الله يخشى من لجاج القول والفوضى، وانفراد من لا رأي له بالقرار فتضيع البلد وتصبح عرضة للغزاة الطامعين، خصوصاً أن الكويت يومها كانت محل أطماع ملك العراق، وبريطانيا، والعثمانيين، وابن سعود، وهو تاريخ منشور ومعروف.
ومهما اخطأ من أخطأ منهم في التخابر خارجياً آنذاك، كما ذكرته الروايات التاريخية إن صحت، فإن السلطة تعاملت معهم ككويتيين، وأطلقت سراحهم بعد أربعة أعوام! نعم اجتهد البعض وليس لكل مجتهد نصيب، لكنهم أعادوا بناء الكويت مرة أخرى لأن ولاءهم للكويت فحسب.
ومن هنا، تقدم لنا المواجهات الفكرية والإعلامية والسياسية بين أبناء الوطن الواحد تشخيصاً دقيقا عن الحالة النفسية والفكرية التي تمر بها البلاد. تلك الحالة الناتجة من حلبة الصراع السياسي والذي تلقي بظلالها على وحدات الوطن وأطيافه المختلفة بتكتلاته وقبائله وأنديته ومؤسساته، بل تصل إلى كل قارع في الطريق حتى لو لم يمتهن السياسة أصلاً!
تتبنى تلك الوحدات كل ما يطرح على الساحة السياسية وتتوزع في استجابتها لذلك من اليمين إلى أقصى اليسار فتحتضن تلك الآراء بموجبها وسالبها، وتتحول بعد زمن قصير إلى اتجاهات وميول وقناعات تحرك الجماهير، وتتخندق على أساس ذلك، ومن ثم تعود إلى دورتها الأولى لتقوم وسائل الإعلام بتحليل الأحداث وتسلية الشارع فترة من الزمن! فالعقل العام يختزل عشرات من المصطلحات والمفاهيم وان كان المصطلح من الناحية العلمية هو ما اتفق عليه بخلاف المفهوم الذي يسعه التعدد.
فمفهوم الاصطفاف والتأزيم وغيرها كثير... ناتج من صراعات الفكر السياسي والثقافي، والذي ساهمت تلك المفاهيم الإجرائية إلى تجذير هوة الخلاف، ورسم تشكيلات تعكس الواقع كما هو.
لست هنا بصدد الحديث عن تلك المفاهيم، والتي أتمنى من الباحثين المختصين دراسة ألفاظها ودلالاتها وما تحتوي عليه، وأصول نشأتها وأبعادها السياسية وانعكاس ذلك كله على المشكل السياسي والاجتماعي. ما يهمنا هنا هو ما علاقة ذلك كله بمفهوم الولاء، والتعرض للولاء ومحاولة جعله قميصاً يلبس ويخلع أمر في غاية الخطورة، فهو ضرب للوحدة الوطنية وتشتيت لجهودها وطعن في خاصرة الوطن. وهل الولاء إلا فريضة يستلزم منها التضحية والحب والصدق في ذلك. فالولاء للكويت لا يجوز أن تخترقه مداولات السياسة وصفقات البرلمان. الولاء للكويت هو ولاء للوطن بأمنه وشعبه وحكومته. قد يطيش الولاء، لكنه سرعان ما يعود. قد يمرض الولاء لكنه لا يموت!
دعونا نسقي الولاء لوطننا الصغير بماء الحكمة والاستقرار والنظر في العواقب، لترابه الطاهر، وهوائه العبير، لأسرته المباركة وشعبه الكريم. وعلى كل كاتب شريف أن يستشعر المسؤولية عند خط قلمه وينظر إلى الكويت قبل فوات الأوان.
التعليقات