علي الظفيري


وحده الدكتور محمد البرادعي يمكن أن يحرك المياه الراكدة، بلد بحجم وتاريخ مصر يحتاج إلى مثل هذا الرجل الآن، ولا يحتاج إلى رجل مثل أيمن نور، مع شديد الاحترام للرجل ومكانته ومحبيه والدور الذي أداه في ظروف عصيبة عاشتها مصر، لكن المرحلة تتطلب شيئا حقيقيا يلامس حاجة الناس للتغيير، مما يستلزم عملا معقدا ومركبا على مستوى الإيمان عند الناس ومحاكاة وجدانهم الوطني، قبل أن يكون أمرا مرتبطا بالأشخاص والأسماء والمواقع.
لا تخفى على أحد حالة الاحتفاء الكبير الذي لاقاه البرادعي في مصر، فقد وجد الرجل دعماً وتأييداً من عامة الناس لم يحظَ به غيره، احتفت به النخب المثقفة والأكاديميون في كل مكان، وتلازم ذلك مع ترحيب رجل الشارع البسيط بعودة البرادعي وإمكانية ترشيحه للرئاسة عام 2011 في مصر، الأمر الأكثر إثارة في الموضوع هو ترحيب قطاعات واسعة من الشباب المصري بالدكتور البرادعي، وأنا على يقين من أن كثيرا منهم لم يستمع للرجل وهو يتحدث ولا يعرف بالضبط ماذا يريد من رئاسة مصر ولا ماهية برنامجه أو ملامحه الرئيسية، يعرفون فقط أنه رئيس سابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأنه بأي شكل من الأشكال وبكل الأحوال أمل لهم في بلدهم بعد أن خابت الآمال!
عاملان رئيسيان في الحالة التي خلقها البرادعي في مصر، أولاً حجم اليأس الكبير الذي تراكم على مدى عقود من الإدارة غير الموفقة في الشأن الداخلي، اليأس الذي جعل من غالبية المصريين ينتظرون الفرج على يد رجل غاب عن البلاد قرابة ثلاثة عقود من الزمن، ويجهل تفاصيلها الدقيقة، وقد يكون هذا عاملاً من عوامل قوته، فمعرفة التفاصيل تدفع إلى التعايش معها لا محاربتها والقضاء عليها، والتفاصيل دائما ما يكون لها علاقة بالأخطاء والاعتياد عليها وتحويلها إلى مؤسسة، الأمر الثاني الذي يدفع الناس للتحلق حول البرداعي والتشبث به رغم عدم موضوعية الحالة كبديل للسلطة القائمة، هو الأمل، أكثر ما يحتاجه المصريون اليوم في ظني هو الأمل، وتأملوا في شخصية الدكتور القادم من فيينا ومن دهاليز العمل الدولي، تأملوه من حيث الشكل والمضمون، إنه رجل مصري بامتياز، ويسأل أحدهم: هل هناك سمات تميز الشكل لدى الإنسان المصري؟ أعتقد أن هناك سمات تميز المصريين من حيث الشكل كما لكل شعب من الشعوب، وهذه السمات حين تلتقي مع الهيبة والصرامة والجدية والتميز العلمي الاستثنائي الذي عرفنا به النخب المصرية حتى مطلع الثمانينيات الميلادية، تحدث الأشياء التي يجب أن تحدث في مصر، إن صورة المصري المتخيلة لدى المصريين وغير المصريين ترتسم كثير من ملامحها في كاريزما البرادعي وإنجازاته العلمية والوظيفية، من هنا شكّل الرجل أملاً لدى شريحة عريضة من المصريين أوشكت على فقدان الأمل، أوشكت أحلامها على الذبول بعد أربعة عقود من العمل الممنهج على مسخ الإنجازات المصرية في كل مجال، بعد عقود من السياسة والسينما والشوفينية المريضة يحتاج المصريون إلى إعادة اعتبار من الداخل، وقد يكون من الصعب على البرادعي -إن كتب له شيء- أن يحقق كل ذلك، لكن هناك من يؤمن بقدرة الحالة quot;البرادعيةquot; على إعادة القطار إلى سكته الصحيحة، وهذا ما يؤمل الآن بالضبط، العودة فقط إلى المسارات الصحيحة!
شخصياً أصبت بخيبة أمل حين تابعت لقاءات تلفزيونية للدكتور البرادعي، تمنيت أن يكون مؤثراً في حديثه، إضافة إلى أننا خارج مصر نعوّل على رجل يعيد لنا مصر التي نعرفها ونريدها، وهذا ما لا أتوقع أنه سيحدث تحديداً مع البرادعي، فلا أظنه سيقطع مع السياسات الحالية أو يوجد انقلابا عليها، ومع ذلك، أرى أن البرادعي يمكن له ndash;لو قدر لمصر أن تغيّرndash; إحداث هزات على مستوى الوعي الداخلي وإعادة بلد عظيم إلى طريق النهضة التي انحرف عنها، وحده هذا الفعل كافٍ لمصر ومن يحبها.