حمد الماجد

قررت الصوفية بتمويل عدد من رجال الأعمال السعوديين والخليجيين أن تدخل حرب الفضاء لتضع لأتباعها وأيضا خصومها قناة فضائية قال الذي أعلن عن قرب إطلاقها الشيخ علاء أبو العزائم شيخ الطريقة العزمية في مصر، بأنها قناة تهدف إلى التصدي لطوفان القنوات الفضائية الممولة من السعودية والخليج laquo;والتي يسيطر عليها المتشددون والمتطرفون من أتباع الوهابية والسلفيةraquo;، كما نشر ذلك موقع laquo;المصريونraquo; المعروف.

اللافت في هذا الشأن أن الناس تعرف أن رموز الصوفية وشيوخها وسدنة الأضرحة في طول العالم العربي وعرضه يملكون ثروات طائلة تقدر مجتمعة بمليارات الدولارات، فلماذا تأخر تأسيس قناة فضائية صوفية في وقت أمسى فيه تأسيس قناة فضائية يكاد يكون بسهولة وتكلفة تأسيس موقع شخصي على شبكة الإنترنت؟ ولماذا تلكأ رموز الصوفية في تأسيس قناة صوفية، وبعض مريدي شيوخ التصوف وأتباعهم لهم خبرات إعلامية ثرية ومتنوعة، بل لا أبالغ إذا قلت بأن لبعض هؤلاء المريدين نفوذا سياسيا كبيرا؟ لماذا تركوا laquo;للسلفية أو الوهابيةraquo;، كما يقول الشيخ أبو العزائم، أن يكون لهم هذا laquo;الطوفان الإعلاميraquo; يسرح ويمرح في معركة فضائية مفتوح باب التنافس فيها للجميع وبلا استثناء؟ وهل ستستطيع laquo;موجةraquo; صغيرة لقناة صوفية ناشئة أن تواجه laquo;تسوناميraquo; القنوات السلفية الكاسح؟

إن laquo;السلفيةraquo; بمعناها العام التي تؤكد على مرجعية الكتاب والسنة وتحرص على تطهير العبادة من البدع المستحدثة وتنقيتها من الشوائب، لا laquo;السلفيةraquo; بمعناها الحركي التوجهي الضيق، قد كسبت الأغلبية الساحقة من النزالات مع laquo;الصوفيةraquo; بمعناها المحصور، laquo;الصوفيةraquo; التي تدندن على الأضرحة والحضرات ورقصات الدروشة والأذكار الغريبة. يقول أبو العزائم مثلا في معرض إجابته في إحدى الفضائيات عن تبريره لتمايل الرؤوس وحني أجذعة الجسم وترديد laquo;اللهraquo; مئات المرات، بأن هذه الحركات مثل الحركات السويدية التي يقوم بها الطلاب في الطابور الصباحي، أليس الأفضل أن يقول المتصوفة ويكررون laquo;اللهraquo; مع الرقص والتمايل بدلا من ترديد 1,2,3,4 في التدريب السويدي؟

هذا المثال البسيط يعطي مثالا جليا كيف أن الصوفية بهذا المفهوم الضيق وهو الأغلب في طروحاتها تبدو laquo;غير مقنعةraquo;، اللهم إلا للسفير الأميركي في القاهرة فرانسيس ريتشاردوني الذي هام في حب الصوفية ورقصاتها ودروشتها كما نقل ذلك موقع laquo;العربية نتraquo;! ولهذا كان من المنطقي والطبيعي أن تكتسح laquo;السلفيةraquo; بمعناها العام كل ساحات النزال، وحسنا فعل الشيخ الصوفي أبو العزائم حين وصف انتشار القنوات السلفية بالطوفان، لكن الذي لم ينتبه إليه فضيلته أن laquo;طوفانهاraquo; ليس لكثر أموالها ولا وفرة مشايخها ودعاتها، فمريدو الصوفية كما أشرنا آنفا يملكون المليارات، ولكن لكون السلفية الأكثر إقناعا. أنا حقيقة أشفق على القناة الصوفية الناشئة كيف ستقنع الأجيال الجديدة المتعلمة المثقفة ببعض مظاهر الصوفية التي لا يقبلها لا شرع ولا عقل، بل لا أبالغ إذا قلت إن إنشاءها قد يكون له نتائج عكسية على مستقبل الصوفية.

من المهم أن أنبه هنا على أنني لا أعني بحديثي عن الصوفية هنا الصوفية التي ترمي إلى تطهير النفس من أدران المعصية وتزكية الروح ومعاودة laquo;صيانتهاraquo; بين الفينة والأخرى، كما فهمه رمز الصوفية الأول الإمام الجنيد الذي لا يكاد يتعارض في فهمه للعبادة وتزكية النفس مع الإمام laquo;السلفيraquo; ابن القيم، كما لا أعني المظاهر البسيطة لبعض المتصوفة الذين لا يعرفون من الصوفية إلا مجرد محاضرات تلقى في ذكرى مولده في مدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذكر شمائله.

كما أود أن أنبه هنا على أن المعركة هنا ليست معركة لاحتلال أكبر مساحة في فضاء الإعلام لنصرة هذا المذهب أو ذاك فحسب، بل المعركة معركة laquo;مصطلحاتraquo;، laquo;فالسلفيةraquo; مصطلح فضفاض ممكن أن يتسع ليشمل أغلب المسلمين السنة في العالم، ويمكن أن يضيق ليشمل فئة معدودة محدودة بالآلاف ولا تصل إلى عشرات الآلاف. laquo;السلفيةraquo; في مفهوم الصوفية هو المصطلح الفضفاض وإن لم يعلنوها، فكل من لا يعجبه التردد على الأضرحة والمزارات وهز الرؤوس والتمايل والرقص وترديد laquo;الله حيraquo; آلاف المرات أو الاكتفاء بـlaquo;هوraquo; وتكرارها حتى الإغماء فهو laquo;وهابيraquo; أو laquo;سلفيraquo; أو فيه لوثة من هذه أو تلك.