زيباري : انسحاب القوات الأميركية قبل تشكيل الحكومة مسألة صعبة وقد تؤخر هذه العملية

بغداد - معد فياض


منذ تغيير النظام العراقي في 2003 وحتى اليوم، توالت 4 حكومات على إدارة العراق، ما بين حكومة بول بريمر - الحاكم المدني الأميركي - وحكومات انتقالية ومؤقتة ودائمة، وخلال كل هذه الحكومات كان السياسي الكردي هوشيار زيباري - قيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني - وزيرا للخارجية العراقية، بل هو أول وزير خارجية بعد نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، ولا يزال، بينما تغير رؤساء حكومات ووزراء آخرون.
زيباري على هذا الأساس تحمل كل مشاق ومصاعب وتعقيدات البناء الجديد لواحدة من أهم الوزارات في الحكومة، الخارجية، وأصبح المهندس الأبرز للسياسية العراقية الخارجية، ولعل من أكثر الأمور تعقيدا هو أن يكون أول وزير للخارجية العراقية من القومية الكردية التي تشكل التكوين القومي الثاني في العراق، وكان عليه طيلة هذه السنوات أن يجلس ويجتمع بنظرائه العرب الذين ارتبطوا معه بعلاقات متميزة، على حد وصفه.

زيباري خص laquo;الشرق الأوسطraquo; خلال زيارته الخاصة إلى لندن، بحديث موسع وشامل عن تجربة عمله في الخارجية، موضحا المصاعب التي تواجه السياسية الخارجية العراقية، وهو على أطراف ترك منصبه لنهاية ولاية الحكومة، فهو اليوم عضو في البرلمان العراقي المقبل عن التحالف الكردستاني، وفي اللجنة المنبثقة عن التحالف للحوار مع الكتل السياسية الأخرى من أجل تشكيل الحكومة الجديدة. وفيما يلي نص الحوار:

* في نهاية ولاية الحكومة، ما تقييمكم للسياسة الخارجية العراقية؟

- لي الشرف الكبير جدا بأن أخدم في هذا المنصب خلال 4 حكومات متتالية، وهذا رقم قياسي في واحد من أصعب الظروف التي مر بها العراق. وأفتخر حقيقة بخدمتي خلال هذه الفترة التي حاولنا فيها أن نخدم بلدنا وسجلنا يشهد على ما قمنا به من إنجازات، وما حققناه، فالدولة كانت خربة عندما استلمناها في سبتمبر (أيلول) 2003، في فترة مجلس الحكم، وكانت وزارة الخارجية عبارة عن بضع سفارات معزولة ومحصورة ومحترقة ومسروقة وخربة، لهذا - والحمد لله - تمكنا بجهود الكل وليست بجهود فردية من بنائها وإعادتها، وهذا تحقق بفضل مبدأ عملنا عليه، ألا وهو المصالحة الوطنية. ونحن أول وزارة نطبق فيها هذا المبدأ. عندما استلمنا الوزارة كانت تضم 1200 موظف، ما بين دبلوماسي وإداري، وكانت تزودهم بعناصر المخابرات السابقة والبعثيين، وأخرجنا أكثر من 550 موظفا، إذ إن وزارة الخارجية كانت في ظل النظام السابق من الوزارات الأمنية ومغلقة لحزب البعث، وأبقينا على المهنيين من دبلوماسيين وإداريين وقد أثبتوا من خلال التجربة كفاءتهم العالية وإحساسهم الوطني، لهذا تم اتهامنا كثيرا، وكان ولا يزال هدفنا أن تسير عجلة العمل. فنحن عندما استلمنا الوزارة، صحيح كانت لدينا خبرة العمل في الخارج والعلاقات الخارجية للحزب (الديمقراطي الكردستاني)، لكن يبقى العمل الحزبي أو العمل في المعارضة شيئا آخر عن العمل الوظيفي والوزارة والشغل في الدولة، لكننا وظفنا علاقاتنا السابقة لصالح عملنا في الخارجية.

ثم إننا فتحنا العمل في وزارة الخارجية أمام الجميع وليس للنخبة أو أبناء العائلات الثرية أو الراقية أو لأبناء المسؤولين، فبعد عامين من عملنا أعلنا بواسطة الإعلام عن فتح دورات للتدريب العمل الدبلوماسي، وكل عراقي مستوف الشروط تمكن من العمل في الوزارة. وقد قبلنا المتفوقين الأوائل الخريجين في الجامعات العراقية، وما أفتخر به أيضا شخصيا هو اهتمامنا بتدريب وتأهيل كوادر العمل الدبلوماسي، كما أن عدد العاملين في وزارتنا ربما هو الأقل بين الوزارات العراقية قياسا إلى خدماتها وأهميتها، إذ هناك أقل من ألفي موظف من دبلوماسيين وإداريين وهذا عدد قليل للغاية، وبعثنا غالبيتهم، أكثر من 1200 موظف، إلى دورات تدريبية إلى الخارج للتطوير الدبلوماسي واللغات، وهذا ما أثار إعجاب نظرائنا العرب. كما أننا غيّرنا من ثقافة العمل في الوزارة التي كانت تتسم بالسلطوية والعسكرية والمركزية، والموظف كان أمام المسؤول مثل الخادم أو العبد له، وأزلنا هذه الحواجز. ومن حقي أن أفخر بهذا الموضوع. والمعروف أن العراق بلد كبير وقديم في السياسة الدولية، فهو من مؤسسي عصبة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ودول عدم الانحياز، لذلك أردنا أن يكون التمثيل الدبلوماسي واسعا، أو مقبولا على الأقل، والآن هناك 83 بعثة دبلوماسية حول العالم، 67 سفارة و16 قنصلية، لهذا أستطيع القول بأن الحكومة العراقية القادمة سوف تتسلم مؤسسة متطورة، عدا أننا أقررنا قانون الخدمة الخارجية الذي هو بمستوى القوانين الدولية في هذا المجال. على الرغم من كل التشكيك والتشويه الذي رافق عمل الوزارة بأنها وزارة كردية وما إلى غير ذلك، لا أقول إن وزارتنا مثالية تخلو من الفساد الإداري أو المالي، لكني أقول إن وزارتنا ومقارنة بالوزارات الأخرى هي من أكثر الوزارات نظافة ونزاهة في هذا الجانب حسن تقارير دواوين الرقابة وهيئة النزاهة.

* لكن هناك اتهامات للسياسة الخارجية العراقية بسبب سوء علاقات العراق مع بعض الدول الإقليمية..

- كان العراق معزولا ومعاقبا ومهمشا في كل المحافل العربية والدولية، ولكن بجهود كبيرة استطعنا إعادته إلى مواقعه المهمة وكسرنا طوق العزلة. وحتى أكون صريحا وواضحا، فإن هذا لم يتم فقط بجهودنا وإنما بمساعدة ودعم حلفائنا في الإدارتين الأميركية والبريطانية، الذين حرروا العراق من الدكتاتورية. إن عمل وزارة الخارجية هو انعكاس للسياسة الداخلية للبلد، ولمواقف البلد، إذا لم يكن هناك موقف موحد أو سياسة داخلية موحدة وتتمتع بإرادة قوية فلا تتمكن من النجاح في السياسة الخارجية ومهما اجتهدنا، لأن السياسة الخارجية سوف تعكس ما يحدث في الداخل. إذا كان هناك إعمار والوضع الأمني متماسك والوضع الاقتصادي جيد والوحدة الوطنية متينة. إحدى المشكلات التي أخفقنا فيها، وهذا أعترف به، هو أننا لم نستطع من أن نلعب أي دور في المنابر العربية والتزاماتنا في القضايا المصيرية مثل القضية الفلسطينية أو دعم السلطة الفلسطينية، أو دعم قضايا إقليمية أو دولية كان العراق مسهما فيها، هذا لم نستطع تحقيقه. نحن ورثنا تركة كبيرة جدا من عقوبات دولية وآثار حصار، وعلاقات هشة، ومشكلات مياه وحدود مع كل دول الجوار تقريبا، وهذا ما ركزنا على معالجته، بل هذا ما يجب أن تركز عليه أي حكومة وتعمل من أجل إغلاق هذه الملفات وتصحح علاقاتها. في خضم هذا الوضع السياسي المتشنج والصعب، تمكنا من أن نسير عملنا ونعكس صورة إيجابية عن وضع وعمل الحكومة. وزارة الخارجية لا تصنع سياسة بل تنفذ سياسة، وسياستنا موجودة في الدستور، في بيانات وقرارات الحكومة ووجهة نظرها، فهي من يحدد سياسة العراق الخارجية. ومن المشكلات التي تعرضنا لها على مستوى عملنا الخارجي، تعددية مصادر التصريحات الإعلامية والمواقف من نواب برلمان ومستشارين، وغيرهم، وفي كثير من المواقف كنا نتسلم توجيهات لكننا نتصرف وفق مصلحة البلد، لذلك عندما كنا نتخذ بعض المواقف يتفهمنا الآخرون.

* هل كان موقفكم في القمة العربية الأخيرة في ليبيا إحدى هذه السياسات؟

- القمة الأخيرة وغيرها من قمم، كنا نتصرف وفق علاقاتنا وكممثل للحكومة العراقية، وكانوا يعتمدون على ما نقوله وليس على تصريح هذا النائب أو ذاك المستشار أو السياسي.

* كيف كان تقبل المسؤولين العرب لكم باعتباركم كرديا كوزير لخارجية العراق؟

- في البداية كانت مفاجأة وشيئا غريبا وعجيبا، وأتذكر أني حضرت أول اجتماع لوزراء الخارجية العرب في الجامعة العربية في سبتمبر 2003، وزراء الخارجية العرب، وهذا من باب المزاح، قالوا: دعنا نضحك على لغته العربية (المكسرة). بعد ذلك عندما تحدثت وألقيت الخطابات، قالوا: نحن على خطأ فأنت تتحدث العربية أحسن منا. وهذه تجربة حقيقية، نحن تصرفنا كمسؤول وطني عراقي وليس ككردي، وندافع عن مصالح العراق وندافع عنه، حاليا تعودوا علينا، في القمة العربية في سرت (ليبيا) قالوا: نحن تعودنا عليك. قلت: هذه سياسة ونحن عندنا نظام ديمقراطي اليوم، أنا هنا وغدا غيري. لكنني أرتبط بعلاقات ممتازة مع نظرائي العرب، وحققنا علاقات جيدة مع المسؤولين والقادة العرب ومع الجامعة العربية.

* كيف تفسرون تأخير بعض الدول العربية عن افتتاح سفاراتها في بغداد؟

- في الحقيقة هذا موضوع مبالغ فيه، وقد تم تسييسه من قبل بعض الأطراف السياسية العراقية، فقالوا إن العراق بعيد عن محيطيه العربي والإسلامي، وهذه مزايدات سياسية.. هل يعني أن السياسي العراقي الفلاني عندما يلتقي رئيسا عربيا فهو مقرب منه وأننا لا نستطيع فعل ذلك؟ أنا أستطيع مقابلة الرئيس (المصري حسني) مبارك، مثلا، كل يوم أو أي مسؤول عربي آخر. نحن نتسامح في أن يلتقي سياسيون عراقيون قادة عربا خارج الإطار الحكومي، ولو عندنا حكومة قوية لا تسمح بهذه اللقاءات، ويفترض أن لا يحدث هذا، أتذكر مرة أن رئيس حزب المحافظين البريطاني التقى كلينتون، أو بوش في واشنطن، فقامت هنا القيامة في لندن ولم تقعد، لأنهم اعتبروه تحديا. وللأسف، قياديونا أو سياسيونا يستسهلون هذا الموضوع، لهذا يفقدون قيمتهم.

* بمَ تفسر سوء علاقات رئيس الحكومة نوري المالكي مع بعض الدول العربية.. سورية والسعودية، وغيرهما؟

- هذه المواقف غير مسؤول عنها رئيس الحكومة، ربما عندي الكثير من القضايا التي تتعلق بالعمل التي أختلف فيها مع رئيس الحكومة، لكن حول هذا الموضوع يجب أن نكون واقعيين، فإذا كانت هناك دول أو جهة تريد إيذاء العراق فلا يجوز أن نقبل أياديهم، هذا لا يجوز، واليوم مثلا هناك نشاط علني لمحمد يونس الأحمد - قيادي في حزب البعث العراقي - في دمشق، وكنا نسأل السوريين عنه ونقول لهم إنه ناشط ضد العراق، وكانوا يقولون: نحن لا نعرفه أصلا. وهاهو موجود.. ما برنامجه أو أهدافه؟ هل تتعلق بالمشاركة في الحكم؟ أم تطوير العملية السياسية في العراق؟ بالتأكيد لا، فهو (الأحمد) يريد تدمير ونسف كل شيء، هناك بعض المسائل يجب أن نتوقف عندها. فالعلاقات مع السعودية مثلا.. الإخوة السعوديون من فتحوا الأبواب وصار الانفتاح من قبلهم لهذا استقبلوا قيادات عراقية مختلفة، وهم من أيقن أن هذا العراق الذي يرتبطون بأكبر حدود مشتركة معه لا بد أن تكون معه علاقات جيدة، والمبادرة جاءت منهم، والمصريون بعد أن وعوا أنهم غائبون وأن دول الجوار غير العربي هي التي ستملأ الفراغ، انتبهوا وجاءوا وفتحوا سفارتهم في بغداد.

* وهل ملأت إيران وتركيا الفراغ الحاصل بسبب الغياب العربي في العراق؟

- أنا زرت طهران وأنقرة، وحتى دمشق وقلت لهم انتبهوا، ولا تعتقدوا أنكم ستحلون في الفراغ الذي سيتركه انسحاب القوات الأميركية. العراقيون لن يقبلوا أن يملأ أحد غيرهم الفراغ في بلدهم، ونحن أصحاب الحق الشرعي في ذلك. لذلك تنتظر إيران وتركيا وغيرهما انسحاب القوات الأميركية التي تستعجل ترك العراق في شهر أغسطس (آب) لملء الفراغ، وهذه مصيبة كبرى.

* ما رأيكم فيما أثارته الكويت حول الطائرة المستأجرة لـlaquo;الخطوط العراقيةraquo;، التي حاولوا احتجازها في بريطانيا؟ كيف ستعالجون المشكلات مع الكويت؟

- دعني أقول شيئا.. لقد بحثنا لعدة مرات مع الإخوة الكويتيين المشكلات العالقة، وفي قمة سرت في ليبيا جلسنا مع أمير الكويت ونائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الكويتي. هناك مشكلات عالقة بين الكويت والعراق، ولا بد من حلها، وأبرزها مسألة الحدود التي رسمت وفق قرار مجلس الأمن 833، الذي يفترض في الحكومة الدستورية العراقية أن تعيد تأكيد اعترافها بهذا القرار، أما بقية القضايا فكلها قابلة للعلاج، وهذه الحدود فرضت على العراق إثر غزو صدام للكويت.

* وهل يعترف العراق بهذه الحدود؟

- صدام (حسين) وافق عليها عام 1993، والمطلوب من هذه الحكومة أو الحكومة القادمة أن تؤكد اعترافها بهذه الحدود. هذا هو مفتاح الحل لكل القضايا العالقة بين العراق والكويت. وأقولها بصراحة، لا مسألة المفقودين ولا الأسرى ولا الممتلكات هي العائق، وهذه قضية (الحدود) ما زالت عالقة، ونحن حاولنا وبذلنا جهود كبيرة لحلها لكننا تأكدنا من أنها مسألة سياسية وليست فنية، والحكومة قالت الآن نحن على أبواب انتخابات، ولنترك هذا الملف إلى الحكومة القادمة.

* تحدثتم عن مهنية السفراء العراقيين، لكن مسألة السفراء تشكل نقطة اتهام لوزارة الخارجية، فهناك سفراء تم تعيينهم بدرجة سفير فوق العادة وهم لا يتمتعون بأي خلفية دبلوماسية.. كيف تفسرون ذلك؟

- يفترض أن يكون السفير مهنيا، دبلوماسيا، تدرج في عمله الدبلوماسي حتى وصل إلى درجة سفير، لكن في كثير من الدول هناك تعيينات سياسية، يعني الحكومة أو رئيس الدولة يختار وزيرا سابقا أو ضابطا عسكريا أو صديقا له، مثلما فعل بوش (الرئيس الأميركي السابق) أو أوباما (الرئيس الأميركي). وإذا بحثت في خلفية بعض السفراء الأميركيين فسوف تكتشف أنهم أصدقاء للرئيس، ولكن هذا يحدث ضمن نسبة معينة كأن تكون 10% أو أكثر وقد تصل إلى 25%، وأكثر نسبة من هذه التعيينات تجدها في مصر حسبما عرفنا، ونحن أيضا ثبتنا نسبة من هذه التعيينات في قانون الخدمة الخارجية الذي صادق عليه البرلمان والحكومة. لكننا في مرحلة انتقالية وكل الأطراف السياسية تريد أن يكون لها تمثيل في السلك الدبلوماسي، وأرجو توضيح الآلية التي اتبعناها وهي أننا قبلنا 57 سفيرا من أصل 150 تم ترشيحهم من قبل الكتل السياسية المختلفة، وقلنا لجميع الكتل السياسية إن من لا تنطبق عليه مواصفات وزارتنا ولو في حدودها الدنيا لا نقبله، وهذا ما حدث وبقرار مني. من بين الذين تم قبولهم نسبة كبيرة من الدبلوماسيين المهنيين، وبينهم أيضا سفراء تم ترشيحهم من قبل أطراف غير مشاركة في الحكومة، مثل القائمة العراقية السابقة ومن أقليات قومية ودينية وكذلك من النساء، ولم تجر العملية وفق مبدأ المحاصصة فقط، بل راعينا التنوع الذي يكون المجتمع العراقي إضافة إلى من تم ترشيحهم من قبل أطراف في الحكومة، ثم إن المداولات ومناقشة الأسماء ما بين الوزارة والبرلمان استمرت لعامين حتى عادت إلينا قائمة الأسماء. وخلال هذه الفترة أقحمنا المرشحين في دورات تأهيلية، ونسبناهم إلى العمل في دوائر الوزارة. بعد ذلك جاءت المرحلة الصعبة بل أكثر الأمور تعقيدا، ألا وهي ترتيب وتوزيع السفراء وهذه عملية أكثر صعوبة من تشكيل الحكومة، وكان علينا أن نلتقي القيادات السياسية ونشرح لهم أن مستوى السفير المرشح من قبلهم لا يصلح أن يكون في الدولة الفلانية، وإنما يجب أن يكون في دولة أخرى، وهكذا. لقد كانت آراء كثيرة تقول بأن لا نرسل الأسماء إلى الدول إلا بعد الانتخابات، لكنني أصررت على إرسالها قبل الانتخابات، وقلت سأرسلها وسترون ثقة الدول بنا. وبالفعل، بعثنا بأسماء السفراء إلى الدول المرشحين إليها، وهذا إنجاز يسجل للحكومة ولوزارتنا. وقبل 10 أيام وردتنا 43 موافقة من أصل 52 سفيرا، تم ترشيحهم إلى دول عربية وغربية ومنظمات دولية.

* لماذا تتهم وزارة الخارجية بأنها وزارة كردية؟

- هذا غير صحيح، وإذا أحصيت عدد الأكراد من إداريين ودبلوماسيين في وزارة الخارجية لعرفت أنهم قليلون جدا، ودون النسبة التي يستحقونها. فهم عراقيون، ومن حقهم أن يعملوا في السلك الدبلوماسي، كما أني لا أروج للمصالح الكردية بل للمصالح العراقية، ويأتي الأكراد ضمن هذا السياق.

* بقيت، ولا تزال، السفارة العراقية في بريطانيا بلا سفير، فما الأسباب وراء ذلك؟

- هذه مشكلة بالفعل، لكن يوجد هناك سفير مرشح لهذا المنصب ولا أستطيع ذكر اسمه الآن.

* هل سيبقى هوشيار زيباري وزيرا للخارجية في الحكومة المقبلة؟

- أنا أنتمي إلى التحالف الكردستاني، وهذا الموضوع منوط بقيادة التحالف الكردستاني وليس بي، فأنا عندما خدمت كوزير للخارجية، كان ذلك بترشيح من قيادة التحالف الكردستاني، ونحن من الناس الذين نعتبر أنفسنا جنودا رهن القيادة، يعني اليوم نخدم في هذا الموقع وغدا في أي موقع آخر تختاره القيادة لنا، هذا أولا.. ثانيا، يعتمد ذلك على ما إذا شارك التحالف الكردستاني في الحكومة أم لا.

* هل هناك من شك في عدم مشاركتكم في الحكومة القادمة؟

- من الممكن تشكيل تحالفات تتمكن من تشكيل الحكومة، من غير الحاجة إلى التحالف الكردستاني، ويمكن إشراك بعض الأكراد من خارج التحالف في الحكومة القادمة.

* وهل تعتقدون أن مثل هذا الافتراض قد يحصل؟

- رقميا نعم، فالتحالف الكردستاني في الانتخابات السابقة كان قويا.. كان يشكل الكتلة البرلمانية الثانية، أما اليوم فهو يمثل القائمة الرابعة، لكن سياسيا وواقعيا لا أعتقد أن مثل هذا الاحتمال قد يتحقق وكل الكتل الأخرى متفقة على أهمية مشاركتنا في الحكومة. وإذا صارت مفاوضات تشكيل الحكومة فستكون إحدى الوزارات السيادية من حصتنا، في السابق وقع الاختيار والاتفاق على وزارة الخارجية بسبب تراكم الخبرة وأمور أخرى، أما اليوم فالقرار مثلما قلت لا يعود إليّ، وإنما إلى قيادتنا.

* وإذا كان القرار يعود إليكم، فهل ستبقون في وزارة الخارجية؟

- أنا أستطيع أن أخدم في هذه الوزارة، إذ تراكمت لدينا خبرات متطورة كما بنيت علاقات جيدة مع نظرائنا العرب وغير العرب، وأعود لأقول القرار سياسي ولا يعود إليّ.

* ما دمنا نتحدث عن تشكيل الحكومة، فكيف تنظرون إلى الخلافات الحاصلة اليوم في الساحة السياسية حول هذا الموضوع، أعني تشكيل الحكومة الجديدة؟

- الخلافات صعبة جدا، والأمور تعقدت للغاية ولعدة أسباب، منها أن النتائج متقاربة بين الائتلافين الأساسيين، العراقية (برئاسة إياد علاوي الرئيس الأسبق للحكومة العراقية) ودولة القانون (برئاسة نوري المالكي رئيس الحكومة المنتهية ولايتها)، في الانتخابات السابقة كانت هناك كتلة واحدة فازت بأغلبية المقاعد وشكلت الحكومة، أما في الحالة الراهنة فإن الأحداث ستقود إلى مباحثات مطولة ومعقدة، ولن تجري أي تحالفات أو حوارات جدية إلا بعد التصديق على نتائج الانتخابات. وأنتم تعرفون هناك إعادة الفرز والعد اليدوي، والنظر في قضية المستبعدين بسبب هيئة اجتثاث البعث، وغيرها من القضايا، وكلما طالت الفترة فسوف يظهر المزيد من التعقيدات.

* هل كنتم تفضلون التصديق على نتائج الانتخابات من دون صدور قرار إعادة الفرز اليدوي؟

- المشكلة في نظام الانتخابات، فالمفوضية (العليا المستقلة للانتخابات) تعبت وعملت جهدها لإنجاح الانتخابات، لكن هناك نواقص رهيبة في عملها، ولم يحسبوا حساب الكثير من القضايا، ثم هناك غياب دعم ومساعدة الأميركيين والبريطانيين الذين كان لهم دور واضح في الانتخابات السابقة، لكن هذا الدور غاب في هذه الانتخابات، وهذا أسهم في زيادة صعوبة الأمور، على الرغم من وجود الأمم المتحدة، وما أقصده بالضبط هو غياب الطرف الذي يساعد ويسهم في جمع الكتل الفائزة كي تتفق وتشكل الحكومة.

* هل تعتقدون أن الإدارة الأميركية سحبت يدها تماما من العراق؟

- للأسف الشديد أقول إن أميركا لا يهمها أي شيء الآن سوى ضمان انسحاب قواتها من العراق، وإذا لم تتشكل الحكومة الجديدة في شهر أغسطس، وفي ظل هذه الأوضاع الأمنية الصعبة، فإن انسحاب القوات الأميركية سيكون مبكرا جدا، جدا وانسحابا غير ناضج، والإدارة الأميركية تمر بمشكلة الآن. فإذا لم تتشكل الحكومة وتصاعدت التحديات الأمنية وتعقدت المشكلات السياسية، فسيكون الوضع معقدا، وفي رأيي قد يؤثر هذا على جدول انسحاب القوات الأميركية.

* هل شرحتم وجهة نظركم هذه للجانب الأميركي؟

- نعم، نحن نلتقي السفير الأميركي في بغداد باستمرار، وهناك حوارات مع نائب الرئيس الأميركي جو بايدن، ومع وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون وكذلك مع مساعديها. لكن وجهة نظرهم حتى الآن هي ترك العراقيين يحلون مشكلاتهم بأنفسهم. ورسالتهم لنا أن حلوا مشكلاتكم بسرعة حتى نخرج نحن بسرعة.

* هل تعتقدون أن المشكلة الراهنة، فيما يتعلق بموضوع الفرز اليدوي، وإقصاء بعض الفائزين من البرلمان، سيتم تدويلها من أجل إيجاد الحلول لها؟

- عندما تتعقد الأمور، فلا بد من تدخل طرف مقبول للمساعدة في إيجاد الحلول، وهذا الطرف المرشح للعب هذا الدور هو الأمم المتحدة، وهي ليست مسألة تدويل بقدر ما هي إبداء المساعدة، لا سيما أن هناك تفويض أممي من مجلس الأمن وبموافقة الحكومة العراقية يخول للأمم المتحدة التدخل في أوضاع العراق، الذي لا يزال تحت البند السابع، لهذا في إمكان المنظمة الدولية أن تلعب دورا واضحا، وأن تبدي وجهات نظرها للمساعدة في جمع الأطراف المختلفة.

* هل أنتم متفائلون بإيجاد الحلول والمضي في تشكيل الحكومة؟

- يلقبونني بالمتفائل الخالد، لكن بعد هذه الانتخابات أصبحت الأمور صعبة.

* صعبة؟

- صعبة.