محمد السعيد ادريس

منذ أن دخل الاحتلال الأمريكي إلى العراق ورهانات العراق لم تتوقف . بدأت الرهانات مبكراً بالاحتلال نفسه بالسؤال عن المشروع السياسي للاحتلال؟ وما هي فرص نجاح الاحتلال في تحقيق المشروع الذي جاء إلى العراق من أجله؟ وامتد الرهان، بعد أن بدأت معالم المشروع الأمريكي في العراق تتصدع بفعل المقاومة العراقية المبكرة والقوية وبفعل الصمود الأسطوري للشعب العراقي، إلى التوحد الوطني العراقي، وهل سيستطيع العراق الصمود أمام مؤامرة الحرب الأهلية ومخططات التقسيم العراقية، وتهافت قوى عراقية طائفية وعرقية نحو خيار التقسيم أو على الأقل الفيدرالية السياسية وليس اللامركزية الإدارية بدعم خارجي إقليمي ودولي، وبعد أن شرع الاحتلال بفرض الاتفاقية الأمنية مع الحكومة العراقية وغيرها من الاتفاقيات وخاصة ما يتعلق بإطار العلاقات الاستراتيجية الأمريكية- العراقية بعد انتهاء الاحتلال؟

رهانات وتساؤلات كثيرة كسبها العراق، إذ أفشل العراقيون المشروع الأمريكي في العراق، وها هو الاحتلال يطمح إلى انسحاب غير مذل من العراق، وكسب العراق وحدته . ويوماً بعد يوم تتبدد فرص تقييد العراق باتفاقيات الهيمنة مع ظهور مؤشرات تفكك العملية السياسية ودخول أطرافها في صراعات قد تضع نهاية لمهزلة تلك العملية المفروضة من الاحتلال .

ففي ظل الانقلابات المتتالية من أركان العملية السياسية على بعضهم بعضاً حتى قبل أن يتحدد موعد إجراء الانتخابات النيابية التي جرت يوم السابع من مارس/آذار الماضي ظهرت الصراعات داخل البرلمان وخارجه حول قانون الانتخابات وعقدة كركوك، وبعد أن أدرك القيمون في العراق أن الشعب العراقي بدأ يدرك قيمة المقاومة السياسية، واستوعب دروس انتخابات المحافظات، وكيف أن من شاركوا في هذه الانتخابات من أبناء العراق انتصروا لمشروع وطني عراقي عندما صوتوا ضد الطائفية السياسية وضد الطائفيين الذين يستهدفون وحدة العراق، وقرر الكثيرون، على هدي من تلك الدروس، خوض الانتخابات النيابية فكان جزاؤهم الاجتثاث والإقصاء من الترشيح والتعرض لعمليات اعتقال واسعة، وإجبار على الرحيل من أماكن وجودهم إلى أماكن أخرى .

هذه الممارسات كشفت حقيقتين: الأولى، أن ما يسمى العملية السياسية، ليس عملية سياسية وطنية مفتوحة لكل الشعب العراقي، بل عملية مغلقة على من هم يعملون من داخل دائرة الانخراط بمشروع الاحتلال، وأنها عملية الاحتلال وأداته، وأن الانتخابات التي كان يجري الإعداد لها في ظل تفجر تلك الصراعات هي انتخابات من أجل ترتيب البيت العراقي لمرحلة ما بعد الانسحابات، بما يضمن للأمريكيين فرض الهيمنة الكاملة على العراق بعد الانسحاب وتأمين المصالح الأمريكية في العراق وخاصة السيطرة على الثروة النفطية العراقية، وأيضاً تأمين ldquo;إسرائيلrdquo; من خطر عودة العراق ليصبح مجدداً مصدراً لتهديد الوجود ldquo;الإسرائيليrdquo; على أقل تقدير .

أما الحقيقة الثانية فهي أن هذه العملية مؤقتة، وتحمل في داخلها عوامل انهيارها، فهي عملية مرتبطة بالاحتلال ومع انتهاء الاحتلال سوف تنتهي بتفجر صراعات المصالح بين أركانها .

بهذا المعنى نستطيع أن نفهم الجذور الحقيقية لنوازع الحكم الاستبدادي الجديد في العراق المقترن بالاحتلال . فقبول معظم أركان العملية السياسية بما جرى من إقصاء متعمد لقوى وطنية عراقية من المشاركة في الانتخابات قبل أن تجري، وما حدث من تفكك في التحالفات خاصة وسط الأحزاب الشيعية الكبرى وأيضاً داخل الأحزاب السنية، وامتداد هذه الانقسام إلى الوسط الكردي نفسه، ثم تهديد نوري المالكي بالتدخل العسكري ضد نتائج الانتخابات التي لم تأت على هواه، والإصرار على إعادة الفرز اليدوي في مناطق معينة خاصة بغداد، ومطالبة الأحزاب الكردية بإعادة الفرز يدوياً في كركوك والموصل لأنها لم تأت على هواها، كل ذلك لم يكن انقلاباً على الديمقراطية، لأن الديمقراطية غير موجودة في الأصل، ولكنه ممارسة للاستبداد من ناحية ومدخل لانهيار العملية السياسية من ناحية أخرى . وربما يكون فرض قرار هيئة ما يسمى ldquo;المساءلة والعدالةrdquo;، مؤيداً بقرار من هيئة قضائية بإلغاء نتائج انتخابات 52 مرشحاً فائزاً في الانتخابات منهم على الأقل 12 مرشحاً فائزاً من القائمة العراقية برئاسة إياد علاوي هو الشرارة التي سوف تشعل المواجهة داخل بل في قلب العملية السياسية، عندها سوف يجد الاحتلال نفسه أمام مصيره المحتوم لينهار كل شيء أراد أن يبنيه على أنقاض العراق ووحدته وعروبته، لتبدأ مرحلة جديدة خالية من الاحتلال الذي سيرحل حتماً بكل رهاناته .