الياس حرفوش


مضت قرابة شهرين على الانتخابات العراقية ولا حكومة حتى الآن. تم الاعلان عن النتائج، لكن هذه النتائج لم تؤد الى قيام حكومة يعكس تشكيلها رغبة الناخبين، الذين منحوا كتلة اياد علاوي، خصم رئيس الوزراء نوري المالكي، اكثرية بسيطة وجاءت نتيجة تصويتهم مفاجئة للحكومة العراقية.

كانت نتيجة ذلك اعتراضات لا نهاية لها من جانب المالكي عطّلت تشكيل الحكومة، مرة بحجة حصول تزوير، وربما كانت هذه المرة الاولى في تاريخ العمليات الانتخابية تشكو فيها الحكومة من حصول تزوير ضدها! ومرة اخرى لأن الهيئة القريبة من المالكي، والتي تدقق في انتماءات المرشحين بحجة منع انصار حزب البعث من التسلل الى السلطة، laquo;اكتشفتraquo; بعد صدور النتائج ان بين الذين فازوا من كانوا ينتمون الى حزب البعث، فقررت اجتثاث هؤلاء، واجتثاث الناخبين الذين صوتوا لهم، كما اتهمها المعترضون على هذا القرار.

اما المرة الثالثة فكانت مع اعادة فرز اصوات الناخبين في بغداد بطلب من المالكي. وتتمثل العاصمة العراقية في مجلس النواب بـ 68 مقعداً، الامر الذي يعني انه اذا جاءت نتيجة هذا الفرز الجديد لمصلحة المالكي فان من شأنها تغيير النتائج، وبالتالي قيام ازمة سياسية واسعة في العراق.

لم يشكك أحد باستثناء نوري المالكي في نتائج الانتخابات العراقية. لا المراقبون الذين اشرفوا على العملية ولا السياسيون الآخرون. ماذا يعني هذا سوى ان رئيس الحكومة العراقية بات يشعر بأن المواطنين العراقيين laquo;اخطأوا الاختيارraquo; عندما فضلوا التصويت الى جانب قائمة تمثل مختلف الاطياف العراقية، وقد تُخرج البلد من حالة الاصطفافات المذهبية، ولذلك قرر الالتفاف على هذه النتائج بطرق اخرى، وكل ذلك تحت شعار laquo;دولة القانونraquo;؟

بعد هذا يشكو رئيس الحكومة العراقية عندما يسعى اياد علاوي الى عرض هذه الأزمة على جيران العراق وعندما يطالب الامم المتحدة بلعب دورها واجراء الانتخابات من جديد بإشراف دولي. يشكو المالكي من ذلك لأنه يعتبره laquo;تدخلاًraquo; في الشأن العراقي! فهو يرفض التدخل من اي نوع في هذا الشأن، الا اذا جاء من جهة واحدة يُعتبر حزب laquo;الدعوةraquo; الذي يتزعمه المالكي احد اصواتها على الساحة العراقية.

كان يفترض ان تشكل انتخابات السابع من آذار (مارس) الماضي محطة مهمة على طريق انتقال العراق الى مرحلة السيادة الوطنية الكاملة، خصوصاً بعد قرار الادارة الاميركية الحالية سحب الجزء الاكبر من قواتها المقاتلة بنهاية شهر آب (اغسطس) المقبل واكمال هذا الانسحاب في العام المقبل. الوضع الغريب الذي تواجهه ادارة باراك اوباما الآن انها هي التي تطالب العراقيين بحل مشاكلهم وخلافاتهم السياسية كي تستطيع تنفيذ برنامج الانسحاب الذي التزمت به. ذلك ان الازمة السياسية المفتوحة والمرجح أن تطول، مع العقبات التي توضع في طريق تشكيل الحكومة الجديدة ومخاطر تدهور الوضع الامني نتيجة ذلك، كل هذا سيجعل الانسحاب الاميركي اكثر صعوبة اذا تجددت اعمال العنف على نطاق واسع في شوارع المدن العراقية.

في حزيران (يونيو) الماضي أجريت انتخابات نيابية في لبنان لم تتفق نتائجها مع رغبات القادرين على الاعتراض وعلى تعطيل حق الاكثرية الفائزة في ترجمة فوزها في مقاعد الحكم. تعرّض لبنان لأزمة سياسية طويلة لم يخرج منها الا بتعطيل تلك النتائج من خلال صيغة عرفت بحكومة الوحدة الوطنية، لم تستطع حسم اي من مواضيع الخلاف المستعصية بين اللبنانيين. كل ما فعلته انها نقلت laquo;الفيتوraquo; المفروض على القرار السياسي مع مخاطره الامنية من الشارع الى laquo;فيتوraquo; داخل مقاعد مجلس الوزراء.

قد يجد اياد علاوي نفسه بالنتيجة مضطراً للقبول بخيار كهذا، هذا اذا قبل به خصومه. حكومة laquo;وحدة وطنيةraquo; تحرمه من الحق في تشكيل الحكومة بالطريقة التي يختارها، وتُدخل من لم يفوزوا بالاكثرية الى مقاعد الحكم. لكنها على الاقل ربما تمنع المجازر المتنقلة ولا تعطل برنامج الانسحاب الاميركي. يبقى ان يوافق نوري المالكي على هذا الحل، خصوصاً اذا كان سيبعده عن رئاسة الحكومة.