اميمة الخميس

كثير من القضايا المحلية تفرّغ من أبعادها الإنسانية , وأهدافها المتعلقة بقطاع اجتماعي واسع , وتُملأ بشحن أيدلوجي مكهرب يحولها إلى كرة ملتهبة يتقاذفها تجاذب التيارات , ومحاولة كل تيار توظيفها بما يتناسب مع الأجندة الخاصة به.

فقيادة المرأة للسيارة على سبيل المثال نظرا لخلوها من المحاذير الشرعية وممارسة الكثير من نسوة الريف والبادية لها بشكل فطري , كان من الممكن أن ترافق تعليم المرأة , أو خروجها للعمل ، وبالتالي تصبح أمرا بدهيا وواقعا اجتماعيا يوميا ضمن جدول المرأة العاملة أو الطالبة , فلا يحتاج إلى قوانين وملف فتاوى وملف صادر ووارد بشكل استنزافي وأحيانا نجده محرجا , لاسيما وأن هذه القضية بالتحديد باتت بابا مشرعا لمزايدات الإعلام العالمي والمنظمات الحقوقية الدولية عند الحديث عن المملكة .

لكن لم تعد قيادة المرأة للسيارة شأنا داخليا يخضع للضرورة وتلبية حاجات المجتمع , بل تحولت إلى مؤشر أو ترمومتر لتقيس من خلاله التيارات المحلية المتدافعة المساحة التي تحتلها ومدى تأثيرها في صناعة القرار .

بينما الإرادة السياسية تحاول أن ترقب المشهد عن كثب بانتظار نضوج رأي جمْعي لتقطفه وتحوله إلى آلية مطبقة على أرض الواقع .

السنوات الخمس الأخيرة أخذت في طريق جيشانها الإصلاحي الكثير من السدود التي كانت تنهض دون مشاركة المرأة في الفضاء العام بشكل فاعل ومنتج , أو الموانع التي كانت تستنزف الاقتصاد المحلي وبالتالي تحرمه من استثمار ماينفق على تعليم ، وتدريب النساء.

ولعل صورةً لنخبة من نساء الوطن وهنّ يحطن بمليكنا المحبوب وسمو ولي العهد ، التي تصدرت معظم صحف المملكة قبل أيام , لهي أهم مرسوم ملكي يعلن المرأة شريكا حاضرا ومؤثرا في مسيرة التنمية .

ومع تساقط الحصون يبقى ثغر قيادة المرأة , هو من يتترس به كوكبة من المنافحين والممانعين , كون هذه القضية باتت إداة قياس حساسة فوق خارطة مساحات الهيمنة والنفوذ .

ولكنها على كل حال لن تكون أشد شراسة ومنعة من الفتنة التي رافقت تعليم المرأة , وسنقرأ في كتب التاريخ يوما ما (أنه في العهد الميمون للملك المحبوب عبدالله بن عبدالعزيز تمت الكثير من القفزات النوعية المتعلقة بحقوق النساء , حيث أُنزلن المنزلة التي تليق بهن شرعيا واجتماعيا , فمنحن الحقائب الوزارية , وقلدن الأوسمة , وأفسح لهن حصة متساوية تماما مع الرجال في لقاءات الحوار الوطني , ومنحن حقهن في قيادة السيارة أسوة بنساء المسلمين في كل بقاع المعمورة.)