حسان حيدر

اللهجة الهجومية الحادة والشاملة التي استخدمها الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد في خطابه من على منبر الامم المتحدة قبل ايام، واستهدفت في شكل خاص الولايات المتحدة، تمثل الجهد الأخير في محاولات ايران المستمرة لإقناع واشنطن بالتخلي عن تعاملها بالتقسيط مع الملفات الايرانية، ودفعها الى القبول بالتفاوض على صفقة كاملة مع طهران تشمل القدرات النووية والنفوذ في الشرق الاوسط والدور الاقليمي الأوسع، بعدما تبين ان الاميركيين نجحوا في اقناع الدول الكبرى الاخرى، وخصوصاً روسيا والصين، بضرورة معالجة كل قضية عالقة مع ايران على حدة.

لم تستطع بلاغة نجاد اخفاء القلق المتزايد الذي تشعر به طهران مع اقتراب التوافق في مجلس الأمن على تعزيز العقوبات ضدها من خاتمته المتوقعة. فعلى رغم الرفض الايراني العلني والمتكرر، وخصوصاً على لسان المرشد خامنئي، لعرض اليد الممدودة الذي قدمه باراك اوباما فور توليه الرئاسة، قال نجاد ان مضي واشنطن في سياستها لفرض عقوبات جديدة laquo;سيعني نهاية طريق التفاوض، وان العلاقات بيننا لن تتحسن ابداً، وان اوباما الذي يمثل الفرصة الأخيرة لتحسين صورة الولايات المتحدة في العالم يسير في طريق سلفه جورج بوشraquo;.

ومنذ أعلنت ادارة اوباما عن مقاربتها الجديدة للأوضاع في منطقتنا، كان واضحاً انها تسعى الى فض نقاط الاشتباك مع ايران واحدة تلو الاخرى وبشكل منفصل، فوضعت جدولاً زمنياً لانسحابها من العراق حيث أدت الانتخابات البرلمانية على رغم التعثر في تجسيد نتائجها الى رفع الضغط عن كاهل الاميركيين، وصار اي تدخل خارجي في شؤون هذا البلد يعني مواجهة مع العراقيين انفسهم. ثم انتقل الجهد الاميركي الى افغانستان، حيث تعمل واشنطن على تقليص دور طهران الثانوي لكن المزدوج في العداء لحركة laquo;طالبانraquo; وفي تقديم السلاح والملاذ الى بعض مكوناتها، سواء عبر النجاحات العسكرية او عبر تحييد اطراف افغانية تعادي نظام كابول.

وقطع الاميركيون ايضاً خطوات على طريق فك الربط الايراني بين الملف النووي وملف التسوية في الشرق الاوسط، فعارضوا في شكل قاطع قيام اسرائيل بأي مغامرة عسكرية لضرب المواقع النووية الايرانية، ليس فقط لان نتائجها غير مضمونة وقد تفجر حرباً واسعة في المنطقة، بل لأنها ستخدم ايضاً هدف طهران في استغلال قضية فلسطين منصة لتبرير دورها، وتلغي مفاعيل العزل الاميركي المتدرج لها.

وفي الاطار نفسه بذلت واشنطن جهوداً مضنية لإعادة اطلاق المفاوضات بين اسرائيل والفلسطينيين، مع تأكيد التزامها في كل مرة بحل الدولتين الذي يرضي المعسكر العربي ويحاصر الأطراف التي تتبنى الشعارات الايرانية فيه. كما باشرت تقارباً مع دمشق اشترطت لاتمامه خطوات ترسم حدوداً بين الدورين السوري والايراني، وخصوصاً في لبنان، حيث تركز واشنطن على انعكاس تسليح laquo;حزب اللهraquo; على أمن ومصالح سورية نفسها.

ولأن ايران تشعر بخطورة التقدم الذي تحققه سياسة المراحل الاميركية وتعامل واشنطن معها بالمفرق، فإنها تصر دوماً على الربط بين قدراتها النووية وبين قضايا المنطقة، فتجري المناورات العسكرية المتتالية في مياه الخليج، وتؤكد في كل مناسبة ان اسرائيل شغلها الشاغل وان الموضوع الفلسطيني يؤرقها، من دون ان ينسيها ذلك انشاء خلايا للتجسس هنا وهناك، في الدول التي يفترض بحسب قولها انها تتشارك معها في القضية نفسها.