ياسر عبد العزيز

لا يعرف أحد على وجه التحديد أي مبلغ من المنعة والقوة بلغت إيران الآن قياساً ببأس أعدائها، والتهديدات المفترضة لأمنها، أو طموحاتها في الهيمنة والتمدد، لكن ما يصدر عن هذا البلد راهناً يشير إلى شعور طاغ بالقوة ينتابه، ورغبة ضخمة في استعراض العضلات والتحرش بالآخرين، وزرع الأحقاد والضغائن في العالم والإقليم، واستهتار مزرٍ بجيران وأصدقاء مسلمين أظهروا الكثير من إشارات الود والتعاون تجاهه.

يوم الأربعاء الماضي كان الرئيس نجاد ضيفاً على برنامج 'صباح الخير يا أميركا'، في قناة 'إيه بي سي'، حيث سئل عن خيارات إيران في المسألة النووية تحت ضغط الممانعة والاستهداف الغربيين، فأجاب: 'سنواصل طريقنا قطعاً'، وعما إذا كانت بلاده 'تلعب بالنار في مواجهة إسرائيل'، رد بقوله: 'إنهم ليسوا عاملاً في سياستنا الدفاعية... إننا حتى لا نحسب حساباً لهم'.

كان نجاد يدلي بهذه التصريحات فيما بدأ الجيش الإيراني، في اليوم نفسه، مناورات في الخليج العربي وبحر عمان ومضيق هرمز، تمتد لثمانية أيام، على مساحة 250 ألف كيلو متر مربع، في استعراض واسع للعضلات... عضلات الجيش.

قبلها كان الحرس الوطني قد أنهى استعراضه، خلال المناورات التي أجراها في الفترة من 22 إلى 24 أبريل الماضي، تحت اسم 'الرسول الأعظم- 5'، في مضيق هرمز، حيث أطلق خمسة صواريخ جديدة محلية الصنع ذات قدرات عالية في التركيز والتدمير وبلوغ الأهداف.

يحق لنجاد بالطبع الحديث عن إسرائيل بمثل تلك الاستهانة؛ إذا كان يقارع الولايات المتحدة نفسها، وإذا كانت فوائض القوة لدى الذراعين العسكريتين الرئيستين في بلاده (الجيش والحرس الثوري) على هذا النحو من الضخامة والتضخم والشعور الزائد بالقوة المفرطة التي لا يبدو أن المناورات تستوعبه.

لذلك، فقد نقلت وكالات الأنباء العالمية عن مسؤولين عسكريين أميركيين قولهم إن حاملة طائرات أميركية كانت تجوب المياه الدولية في خليج عمان في 21 أبريل الماضي، حين حلقت نحوها طائرة استطلاع عسكرية إيرانية، واقتربت منها لمسافة كان يمكن أن تخلق مجالاً لسوء الفهم على خلفية التوترات الراهنة بين البلدين.

ويمكن أيضاً تفهم قول نجاد عن 'مواصلة الطريق بالقطع'، إذا عرفنا أن مناورات الحرس الثوري والجيش كانت تجري فيما يستمر بناء محطتين جديدتين لإنتاج الوقود النووي وتستمر عمليات تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%، وتُعرقل كل الجهود الرامية إلى التوصل لحل دبلوماسي سلمي لأزمة الملف النووي الإيراني، بما يجنب طهران تكاليف العقوبات والحصار، ويجنبها والمنطقة والعالم أجمع تكاليف حرب مريرة ستكون لها تداعياتها المدمرة على الجميع.

لا بأس إذا تمسكت إيران بحقها في تطوير الطاقة النووية للاستخدامات السلمية، ولا بأس أيضاً إن دخلت في مواجهة مع إسرائيل أو الولايات المتحدة والدول الغربية والمجتمع الدولي من أجل تحقيق أهدافها، لكن ما يدعو حقاً للأسى هو أن إيران تهدف إلى زرع الأحقاد في محيطها العربي، وتمعن في التحرش بدول الخليج العربية والتقليل من شأنها. ضبطت الكويت خلية التجسس، وعادت وحظرت النشر في شأنها، ثم تفادت الحديث التصعيدي عن الأمر قائلة على لسان وزير الداخلية: 'الأمر لايزال منظوراً أمام القضاء'.

ونددت المنامة بـ'تقديم جهات إيرانية تسهيلات لمهربي المخدرات التي تنطلق من الأراضي الإيرانية مستهدفة السعودية والبحرين'، ثم عادت السعودية ونفت اتهام الحكومة الإيرانية بترويج المخدرات ونشرها في دول 'التعاون' على لسان نائب وزير الداخلية الأمير أحمد بن عبدالعزيز، الذي قال: 'من الصعب اتهام إيران كدولة وحكومة بهذا الأمر، ولكن قد تمر المخدرات عبر أراضيها من خلال بعض المناطق في أفغانستان ومناطق أخرى منتجة للمخدرات'.

وفي شهر مارس الماضي، قال وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس للصحافيين في أبوظبي: 'لديّ شعور بأن هناك رغبة لدى السعودية والإمارات لاستخدام نفوذهما بصفتهما دولتين منتجتين للنفط لإقناع الصين بالموافقة على فرض عقوبات جديدة على طهران'، لكن الرياض سارعت إلى النفي على لسان مصدر مسؤول؛ قائلاً: 'إن هذا الموضوع غير صحيح، ولم يتم بحثه خلال زيارة الوزير الأميركي للمملكة'.

الشهر نفسه كان قد شهد توقيع مذكرات تفاهم أمنية بين إيران وكل من الكويت وعُمان وقطر، وهي المذكرات التي قالت عنها وكالة الأنباء الإيرانية إنها 'تعود بالنفع على تلك الدول، وتمنع استخدام أراضي أي منها لتهديد إيران والعكس'.

لا توفر دول الخليج العربية أسباباً لتحسين علاقاتها بإيران والنأي بعيداً عن محاولة استهدافها عسكرياً، ومع ذلك لا تجد من الجار الإيراني إلا كل استعلاء وتربص واستهانة.

يشكل الإيرانيون نحو 10% من سكان الإمارات، ويبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين حوالي 11 مليار دولار سنوياً، ويقدر مسؤولون إيرانيون عدد الشركات الإيرانية العاملة في دبي فقط بنحو 10 آلاف شركة، إضافة إلى بضعة آلاف شركة أخرى تعمل في بقية إمارات الدولة الست، كما يقدر بعض هؤلاء المسؤولين الحجم التراكمي للموجودات الإيرانية في الإمارات بنحو 300 مليار دولار.

ورغم ذلك فإن إيران ترفض استجابة مطالبات الإمارات السلمية المتكررة منذ أكثر من ثلاثين عاماً بحسم مشكلة احتلال الجزر الإماراتية الثلاث عبر المحادثات المباشرة الجادة أو التحكيم الدولي أو اللجوء لمحكمة العدل الدولية.

في شهر أبريل الماضي، زار الشيخ عبدالله بن زايد وزير خارجية الإمارات رام الله حيث التقى الرئيس أبو مازن، فوجدها مناسبة للتذكير بمعاناة بلاده احتلال جزرها كما تعاني فلسطين آثار الاحتلال الإسرائيلي، وقد ساوى بين الاحتلالين، كما دأب، وغيره من مسؤولين إماراتيين، على الفعل في أوقات سابقة.

لم تكن تصريحات عبدالله بن زايد متجاوزة، لكنها قوبلت برد فعل قاس ومتوتر وحاد من الجانب الإيراني، ووصفت بأنها 'وقحة'، و'غير مسؤولة' و'غير متزنة'. لقد بالغ الإيرانيون هذه المرة في الاستعلاء والمجابهة والتهوين من شأن الآخرين؛ فقال نواب برلمان: 'يجب أن نلقن المسؤولين الإماراتيين درساً'، واستدعت الخارجية الإيرانية القائم بالأعمال الإماراتي، وهدد المتحدث باسمها بأن 'تكرار مثل تلك التصريحات يثير مشاعر الشعب الإيراني وقد يكون له رد فعل عنيف'.

إيران التي طالبت أصوات فيها بضم البحرين، واعتدت على سيادة الكويت وأمنها، وتحتل جزر الإمارات، وتزعزع أمن السعودية واليمن، وتضع الإقليم والعالم على حافة هاوية، لا تريد من أبوظبي أن تطالب بحل عادل لمشكة جزرها المحتلة، حتى لو كان هذا الحل يأتي عبر اللجوء إلى محكمة العدل الدولية، وتعتبر هذه المطالبة مثل 'مطاردة الضبع للأسد'.

الاستعلاء الإيراني يزداد، واللغة الخشنة تستفحل، واستعراض العضلات يتواصل، والتحرش بالآخرين يستمر، والممارسات المسيئة تتوالى، رغم التعاطي الخليجي المسؤول والهادئ. ها نحن نسمع زئير 'الأسد' ونعاين استعلاءه، لكن لا نعرف على أي نحو سيكون نزاله إذا وقعت الواقعة.