محمد صلاح


على رغم ارتفاع حرارة الطقس في مصر، إلا أن حرارة الصراع السياسي تتجه إلى مسار آخر، وبات واضحاً مدى انخفاضها. قبل أسابيع كان الصراع وصل ذروته على خلفية نشاط الدكتور محمد البرادعي والملتفين حوله والكر والفر بين الحكومة وجماعة laquo;الإخوان المسلمينraquo;، وكذلك سخونة الأجواء بين أحزاب المعارضة التي شكلت أربعة منها ائتلافاً لمواجهة الحزب الوطني الحاكم وهي أحزاب الوفد والجبهة الديموقراطية والتجمع اليساري والعربي الناصري، إضافة بالطبع إلى المشاهد التي تهتم بها الفضائيات كل يوم بما يجري داخل قاعة مجلس الشعب (البرلمان) من سجال بين نواب الحزب الحاكم ونواب المعارضة.

هدأت الأوضاع مع ارتفاع حرارة الصيف وبات الصراع مركزاً في الغرف أو الاستديوات المكيفة بالهواء البارد عبر برامج تلفزيونية تعيد صياغة الأحداث نفسها ولكن من دون سخونة أو ما يجذب الاهتمام. وحدهم المعتصمون على أرصفة مجلس الشعب ومجلس الوزراء بقوا على حالهم يبيتون لياليهم في انتظار كاميرا تابعة لبرنامج تلفزيوني تأتيهم فينفضون الملل والانتظار الطويل عن أنفسهم، ويبدأون الهتاف أو يرفعون اللافتات ويطالبون بحقوقهم والعيش الكريم من دون أن تكون لمطالبهم أي علاقة بالسياسة أو السياسيين. اللافت أن هؤلاء المعتصمين لا يمثلون فئة وظيفية واحدة، فمنهم مطاريد القطاع العام أي الشركات الحكومية التي تواجه مشاكل مالية، وبعضهم يعمل في شركات حكومية تم بيعها إلى مستثمرين سعوا إلى طردهم أو تقليل رواتبهم. وبعضهم يعمل في مصانع أو شركات تابعة للقطاع الخاص ويرفض مالكوها تحرير عقود عمل لهم أو دفع الحوافز والمكافآت التي أقرها القانون. هؤلاء المعتصمون أصبحوا صيداً ثميناً لبرامج التلفزيون والصحف التي وجدت فيهم مادة خصبة تعينها على ملء الفراع الذي تسببت به حرارة الصيف. اللافت أن لا أحد يشعر بتأثير لانتخابات مجلس الشورى المقررة بداية الشهر المقبل ويفترض أن تكون الدوائر الانتخابية التي ستجري فيها الانتخابات مليئة بالأحداث بين المرشحين. لكن حقيقة الأمر أن الحزب الوطني ينافس نفسه في تلك الانتخابات، وباستثناء 15 مرشحاً لجماعة laquo;الإخوان المسلمينraquo; فإن الأحزاب فضلت إما أن تقاطع تلك الانتخابات أو أن تكون مشاركتها فيها رمزية، وأن تركز جهودها على الاستعداد لانتخابات مجلس الشعب المقررة قبل نهاية العام الحالي. ولذلك فإن المصريين سيقضون صيفاً سياسياً هادئاً، ومع انخفاض درجات الحرارة في نهاية الفصل سيبدأ الصراع السياسي بالاحتدام من جديد.

ويبدو الأمر متوافقاً مع نظرية الأواني المستطرقة، فكلما زاد نشاط أحزاب المعارضة نشطت أيضاً جماعة laquo;الإخوان المسلمينraquo; وكلما زاد البرادعي ومن حوله تحركاتهم علت أصوات الحركات الاحتجاجية الأخرى ليشارك الكل في معزوفة واحدة في مواجهة الحزب الوطني الذي ينافس نفسه الآن في انتخابات الشورى، لكن لن يجد الحال نفسه على المسرح السياسي في المستقبل. فضجيج المعارضة قبل وأثناء انتخابات مجلس الشعب سيرفع من درجة حرارة الصراع السياسي قبل أن تأتي الانتخابات الرئاسية في العام المقبل لتصل الحرارة إلى ذروتها حتى لو كان المصريون يعانون وقتها برد الشتاء.