يوسف الكويليت

كلّ السجون العربية تحوي مواطنين عرباً تختلف قضاياهم من جنح إلى جرائم كبيرة ومتوسطة وصغيرة، وبما أن كلّ دولة تملك حق حماية أمنها ومواطنيها، فإن المثل ينطبق على دول جوار توحدها علاقات شراكة مثل الاتحاد الأوروبي. أو الدول التي تتبادل السجناء ضمن عقد واتفاق بينها وغيرها، أو إخضاعهم لأحكام قوانين كل دولة..

دول مجلس التعاون تنفرد بخصوصية فريدة، أي أنه مهما كبرت الخصومات فالمعالجات تتم ضمن العائلة الواحدة، وهذا لا يعني أن بعض مواطني هذه الدول لا يتجاوز القانون، لكن ذلك لا يكون سبباً للقطيعة التامة مثلما يحدث لبعض الدول الأخرى..

قطر ضربت مثلاً رائعاً بعفوها عن سجناء سعوديين لديها نتيجة تدخل القيادتين في الموضوع وإنهائه، وهذا التسامح في الحق العام أكد على أن الموقف الإنساني يتعدى الاعتبارات الحقوقية، ومثل هذه البادرة شهدناها في مواقف معظم الدول الخليجية عندما تتغلب على كل الوقائع وتضعها في سياق الدولة الواحدة..

قبل ذلك حُلت عقبات كبيرة في الحدود، والمعاملات المالية والسياسية والاجتماعية، ولم ينشأ في ظلها قفل الحدود واستدعاء السفراء ، أو بعث شكاوى للجامعة العربية أو الأمم المتحدة أو مجلس الأمن لأن الأهداف الواحدة تنهي أي أمر مهما خرج عن طبيعته، وحتى عندما ساد جو من التفاعلات أذكتها وسائل الإعلام بين المملكة وقطر كان الحكم للمستقبل وليس الحاضر، وتم تجاوز تلك الحساسيات بالعودة إلى إطار العلاقات الحميمة وحل كل الإشكالات..

الدول الخليجية لديها مهمات كبيرة تخصها مثل توحيد العملات والربط الكهربائي ، وتسهيل حركة الأموال والمواطنين ومد السكك الحديدية إلى جانب الطرق ، وفتح المجال لتعاون أمني وسياسي، ومعالجة الشؤون الإقليمية بروح الفريق الواحد لأن ما يتهدد أي دولة تنعكس آثاره على الجميع، وأقرب الأحداث غزو الكويت أو احتلال جزر الإمارات من قبل إيران..

ثم إذا كانت تملك ثروة واحدة تختص بالنفط والغاز، ويتم فتح المجال للصناعات التي تتعلق بهذه الثروة وتنويع مصادر الدخل وتوحيد مختلف السياسات التجارية، فإن لها مهمات أخرى أي أنها لاتزال تلعب دور المموّل للعجز العربي والإسلامي، وتتبادل مع القوى الأخرى المصالح وفق منظومة من الاتفاقات والقوانين، وقد شهدنا كيف لعبت هذه الدول الأعضاء في مجلس التعاون دورها في تنمية لبنان بعد الحرب ، وكذلك اليمن وغزة والضفة الغربية، وحتى الحروب مع أي قوة خارجية، لم تبق هذه الدول على الحياد عندما جعلت النفط يدخل ساحة الحرب عام ١٩٧٣م ويقوي الجبهة العربية، مما اعتبر أكبر رد فعل مرّ في تجربة حرب انتقلت من نطاقها إلى الآفاق العالمية..

دول المجلس بقدر ما هي دول تؤسس لتعاون فيما بينها، فهي لا تعيش العزلة والانقطاع عن أفقها العربي والعالمي، لكن ما يجعلها تنسجم في طروحاتها وأفكارها أنها تُخضع كل مشاريعها لمنطق مصالحها، وحتى التضحيات، إذا حدثت نتيجة أي إشكال ما فهي تعتبر عائداً إيجابياً للجميع، وهذا ما شهدناه بين قطر والمملكة أو أي دولة عضو في المجلس، بل إنها سعت خارج دائرتها لمصالحات عربية وإسلامية لتحقيق هدفها المنسجم مع طروحاتها وأهدافها..