يوسف الكويليت

كل إنسان من ركاب أسطول الحرية هو إرهابي ومجنّد لذبح الجنود الإسرائيليين الأبرياء، وكل حبة دواء أو قمح أو رز هي شظايا لقنابل عنقودية، وأيضاً كل خيمة أو كيس أسمنت أو طوبة هي ألغام قادمة من دول ومنظمات هدفها إزالة إسرائيل وتقديم شعبها قرباناً باسم كسر الحصار!! وهذه الصورة الراسخة في عقل وشعور كل إسرائيلي جعلته مستفزاً وحاقداً على كل من لا يحمل جيناته ودماءه وعقيدته..

ويبدو أن كلمة (حرية) التي حملت اسم الأسطول أزعجت إسرائيل فبادرت بإنزال الكوماندوز على الباخرة التركية، فقتلوا وأسروا وجرحوا، ثم بررت أن محاربيها هم من تعرضوا للرد المباشر عندما اقتحموا الباخرة، لكن بمعيار المكاسب والخسائر تعلمت إسرائيل أنها مهما دخلت في مواجهات دولية كالاعتداء على غزة ، وقتل المبحوح الذي كشف عن المتورطين وتزييف جوازات سفر دول صديقة لها، تأتي كردود أفعال غير مؤثرة، وهي ترى في اعتدائها على أسطول الحرية بنفس المبررات، غير أن الموقف ، وربما هذه المرة ، سيقود إلى رد فعل أقوى وأهم، لاسيما وأن المتضامنين مع الفلسطينيين هم من مختلف الجنسيات، ولا يحملون إلا موقفهم الإنساني، وعلى الأقل فقد ظهر وجه إسرائيل الحقيقي بصورة واضحة، ليس للحكومات والعناصر الداعمة لها، لكن لكل شعوب العالم وهي الفرصة التي لو استغلها العرب والمسلمون، بأن أقاموا الاحتجاجات والمظاهرات والرسائل لكل المنظمات الدولية، والمقاطعة لكل ما هو إسرائيلي بما فيها طرد السفراء والمندوبين لكان الموقف أكثر إيجابية..

شعوب أوروبا وأمريكا، والقارات الأخرى تظاهرت أثناء غزو العراق، وكذلك الاعتداء على غزة، بينما الأمة العربية والعالم الإسلامي بقيا على الفرجة فقط وهو أمر محزن، بانتظار تصرف مباشر من السلطات، وهي المقيدة بسلاسل الاعتبارات السياسية التي، إن لم تراع الخوف من غضبة الدول الأجنبية، فهي ترتعب من تحرك الشارع ، وأمام هذا الواقع فإن تواريخ عقديْ الخمسينيات، والستينيات كانت أكثر ألف مرة تضامناً مع الجزائر في كفاحها والاعتداء الثلاثي على مصر، أو القضية الفلسطينية الثابتة في الوجدان العربي ، وقد كانت المطارات والموانئ، وكل المنافذ تغلق أمام الدول المعتدية، وكان للحسابات السياسية لهذه المنطقة دور في الحركة السياسية العالمية عندما تضامنت معها مختلف القوى بما فيها شعوب الدول الرافضة لكل ما هو شأن عربي من أجل إسرائيل..

سيناريو أسطول الحرية، المفترض أن يعيدنا إلى تلك الأجواء بحيث تجند قوى الإعلام والشارع والمنظمات الأخرى، بأن لا ننتظر احتجاجاً بارداً من دولة أوروبية، أو شبه حانية على هذا الموقف الإنساني، أو اجتماعات لمجلس الأمن والأمم المتحدة وغيرهما ممن أطعمونا الأوهام وأسقونا السراب، لأن الفعل المتضامن عندما يأتي من أمة، ومن خلفها عالم إسلامي وبمميزات عصر انتقال الحدث والمعلومة بأسرع وقت، كأسلحة لم نستخدمها، وهي مأساة وقصور في التعامل مع الأحداث بعقلية من يؤدي دور الرادع المعنوي إذا انعدم العسكري، وإسرائيل، مهما قالت فقد خسرت، أمام دبلوماسية تركيا والعالم، وهو درس مفيد لو أننا جعلنا من هذه الفرصة احتجاجات تصل إلى كل العالم المحبّ للسلام..