نورة السويدي

قبل أيام تداعى خبراء ومسؤولو الإعلام العرب، وانتظموا في اجتماع إعلامي عربي احتضنه مقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية في القاهرة، لبحث مسيرة الإعلام العربي وواقعه وتطوراته، وسبل الارتقاء به وبلورة خطاب إعلامي جديد يحاكي أحلام الوطن الكبير، ويتناغم مع طموحاته في الساحة الإعلامية العربية، ويجاري بنجاحاته ما تحمله وسائل الإعلام العالمية وما ينقله الفضاء الكوني المفتوح على مصاريعه.

وبالجملة كان الاجتماع ناجحاً في تشخيص الحالة الإعلامية العربية، ووضع أسس العلاج الناجعة الكفيلة بإعادة تأهيل الرؤية الإعلامية العربية، وتبادل المجتمعون هموم الماضي الإعلامي وحاضره ومستقبله، ووضعوا النقاط على الحروف المتناثرة في الخطاب الإعلامي العربي.

إلا أن ما عقد الاجتماع من أجله، وهو دراسة موضوع مشروع إنشاء مفوضية للإعلام العربي، لم يحظَ بالتأييد الكامل من المشاركين، بل اختلفت الآراء حوله، وانفض سامر المجتمعين على أمل الوصول إلى حلول ترضي جميع الأطراف في المستقبل القريب.

والحقيقة أن عدم الاتفاق على مشروعات ضخمة، بحجم مفوضية للإعلام العربي توازي مفوضية الإعلام الأوروبي في تجربتها المحكمة والناجحة، لم يكن مستبعداً، لا سيما وأن الواقع الإعلامي العربي لا يزال يحمل الكثير من علامات التباعد في الرؤية ما بين بلد وآخر، ويحتاج إلى عمل عربي دؤوب لتقريب وجهات النظر والبحث عن أرضية مشتركة تنظم انطلاقة الفضاء العربي، وتوجه كوادره وطاقاته لخدمة قضايانا العربية من المحيط إلى الخليج.

ولا نعيب على المجتمعين عدم الاتفاق، لأن المسألة في حقيقتها تحتاج إلى قراءة متأنية ودراسة عميقة للمشروع من جميع جوانبه، وإعداد البيئة الإعلامية المجتمعية العربية التي تهيئ لتبني مثل هذا المشروع، وليس أقل من وجود لجنة مبدئية تضم خبراء في الإعلام والقانون والاتصال، كما اقترح الوفد الإماراتي المشارك، ما يضمن تأمين الدراسة الكاملة للمشروع لتذليل مختلف الصعوبات المالية والقانونية.

وعلى الرغم من أن المتابعين لمشاورات الخبراء الإعلاميين العرب في الاجتماع، لاحظوا درجة من الشعور بالإحباط لدى البعض ممن وصفوا بعض الردود العربية بlaquo;غير المشجعةraquo;، وعنفوا على واقع تغيب عنه النية والإرادة الجادة لتنفيذ مثل هذا المشروع الضخم، غير أن الأمر يحتاج إلى إعادة الطرح، بل وتكرار الدعوة إلى إنشاء مفوضية الإعلام العربي.

لما تحمله من إيجابيات واسعة على رأسها مواكبة العصر في التقدم العلمي الإعلامي، بما يتناسب مع قيمنا وعاداتنا وديننا وأخلاقنا، ضمن رؤية واحدة تضمن الوصول إلى درجة الإعلام المتطور الذي يوازن بكفاءة بين حرية التعبير واحترام قيم المجتمع، ويجمع بين الالتزام ومواكبة العصر.

ويعزز دور الإعلام العربي في مواجهة التحديات الدولية وإظهار الحق العربي في إطار عربي مؤسسي، وإيجاد حالة معرفية داخل المجتمع العربي عن واقع الأمة وحاضرها ومستقبلها، وحالة أخرى موازية لدى الغرب للمساهمة في تعديل الصورة النمطية عن العرب.

وإذا كان مشروع مفوضية الإعلام العربي قد طرح على طاولة البحث في الجامعة العربية، ولا يزال يخضع للشد والجذب حتى موعد ولادته المأمول، إلا أننا لا بد أن نسجل لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، قصب السبق في رؤية سموه الواضحة المنطلقة إلى رحاب الفضاء المفتوح.

حين قرر أن الإعلام يجب أن يكون ضمير الناس، وأداة بناء وتصويب لا معول هدم وتخريب، وأن يكون رسالة سلام ومحبة وجسراً للتواصل الحضاري والإنساني بين الثقافات والشعوب، وأن يعكس الإعلاميون الوجه الإنساني والصورة الحضارية لشعوبنا التي تحكمها قيم ومفاهيم إنسانية، ممزوجة في كينونتها ونابعة من أصالتها العربية ومبادئ الإسلام الحنيف.

كلمات واضحة تصلح أن تكون دستوراً وميثاق عمل إعلامي، للوصول بالمجتمع الإعلامي إلى أرضية مشتركة، يمكن الانطلاق منها إلى جدول مشروع مفوضية الإعلام العربي، لتلتقي عندها مختلف الرؤى والجهود العربية في هدف واحد وحلم واحد.