عثمان ميرغني

إذا كان هناك من يحتاج إلى دليل على أن حكومة بنيامين نتنياهو لا تريد السلام، فقد جاءه الدليل القاطع بالهجوم الذي شنته قوات الكوماندوز الإسرائيلية على laquo;أسطول الحريةraquo;. فالهجوم من القوات التي تنتمي إلى الفرق الخاصة في البحرية الإسرائيلية، لم يكن فقط هجوما على ناشطين مدنيين يسعون لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة وإيصال المساعدات إلى أهلها المحاصرين، بل كان هجوما لإحباط مساعي إحياء مفاوضات السلام. فنتنياهو استخدم الأزمة التي نجمت عن الهجوم على laquo;أسطول الحريةraquo; كذريعة لإلغاء الاجتماع الذي كان مقررا مع أوباما أمس، حيث كان يتوقع أن يواجه مطالب بتسريع عجلة المفاوضات. ولا يغيب عن الذاكرة ما فعلته حكومة نتنياهو خلال زيارة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن عندما أعلنت عن المشروع الإسكاني الاستيطاني في القدس، لنسف أو على الأقل تعطيل الخطوات الأميركية لاستئناف المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية.

فإسرائيل تتصرف من منطلق غطرسة القوة، ولا ترى حاجة للسلام والتنازلات التي يتطلبها، خصوصا في ظل حالة التشرذم الفلسطيني وضعف الموقف العربي. كما أنها ترى نفسها فوق القانون لأن المجتمع الدولي لا يقاطعها ولا يحاسبها على كل انتهاكاتها للقوانين والأعراف الدولية. وفي الهجوم على laquo;أسطول الحريةraquo; وحده انتهكت إسرائيل القانون الدولي ثلاث مرات. مرة لأن الهجوم على القافلة البحرية حدث في المياه الدولية في انتهاك لميثاق الأمم المتحدة وقانون أمن البحار. ومرة لأن الجنود الإسرائيليين استخدموا القوة المفرطة في مواجهة مدنيين وهو أمر يخالف مبادئ الأمم المتحدة. أما الانتهاك الثالث للقانون الدولي فيتمثل في الحصار على غزة باعتباره مخالفة صريحة لميثاق جنيف الذي يحظر مبدأ العقوبة الجماعية ويشدد على الحماية والضمانات الإنسانية للمدنيين في مناطق النزاعات.

في مواجهة هذه الغطرسة الإسرائيلية لن تجدي الإدانات وبيانات الشجب والاستنكار أو حتى دعوة مجلس الأمن لتحقيق عاجل في الاعتداء على laquo;أسطول الحريةraquo; وإزهاق الأرواح الذي حدث، فالأمر العاجل المطروح الآن هو إنهاء الحصار على غزة وإنهاء معاناة شعبها. فهناك مليون وأربعمائة ألف فلسطيني يعيشون في أكثر بقاع العالم اكتظاظا بالسكان، في ظروف غير إنسانية يحرمون فيها من أبسط الاحتياجات التي تكفلها كل الأعراف الإنسانية والمواثيق الدولية. وإحصائيات وتقارير الأمم المتحدة تشير إلى أن 80% من سكان القطاع يعيشون تحت خط الفقر ويعتمدون على المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجاتهم، و60% ليس لديهم إمدادات مياه، بينما تفتقر المستشفيات إلى كثير من الأدوية والمتطلبات العلاجية. أما الإمدادات التي تسمح إسرائيل بمرورها فلا تغطي سوى ربع احتياجات سكان القطاع، وفقا للمنظمات الدولية.

صحيح أن هناك خلافات مع حماس، واتهامات بأنها تقدم مصالحها وحساباتها السياسية على معاناة أهل غزة، كما يراها الكثيرون مسؤولة عن تعطيل جهود توحيد الصف الفلسطيني، وبالتالي إضعاف الموقفين الفلسطيني والعربي، لكن المشكلة مع حماس يجب ألا يدفع ثمنها أطفال ونساء وشيوخ غزة. وتبرير الحصار لم يعد مقبولا أخلاقيا أو إنسانيا، والواجب الآن رفعه بشكل دائم، والبحث عن أسلوب آخر لحل الإشكالات القائمة مع حماس خصوصا أنه مرت ثلاث سنوات ولم يحقق الحصار سوى زيادة معاناة الفلسطينيين. فإذا كان الهدف هو إضعاف حماس أو إسقاطها، فإنها لم تسقط بل شددت قبضتها على القطاع، مما يعني أن هذه الاستراتيجية فشلت وتكلفتها الأخلاقية والإنسانية لم تعد مقبولة.

من هنا تأتي أهمية الخطوة التي أعلنتها مصر بفتح معبر رفح لمرور المساعدات الإنسانية إلى غزة، باعتبارها ردا عمليا قويا على غطرسة حكومة نتنياهو. ولكي يبقى المعبر مفتوحا، يجب ألا تعتبر حماس تضحية laquo;أسطول الحريةraquo; مكسبا سياسيا يبرر لها الاستمرار في سياسات أضعفت الموقف الفلسطيني وأسهمت في معاناة فلسطينيي القطاع. فالحركة مطالبة بأن تتحمل مسؤوليتها تجاه الشعب الفلسطيني باستكمال المصالحة وتوحيد الصف، مثلما أنها تحتاج إلى طمأنة محيطها العربي لأنها نكصت عن اتفاق مكة كما سعت إلى إثارة مشاكل لمصر على الحدود وعبرها.

إن أجواء الغضب العارم بسبب العدوان الإسرائيلي على laquo;أسطول الحريةraquo; يمكن أن توظف ليس لإنهاء الحصار على غزة وحسب، بل لمحاصرة إسرائيل دبلوماسيا، خصوصا في ظل الإدانات الدولية والدور التركي المتنامي الداعم للموقف العربي. فحكومة نتنياهو تواجه ضغوطا من إدارة أوباما التي جعلت عملية السلام هدفا مرتبطا بالأمن القومي الأميركي، كما أن هناك تيارا وسط يهود أميركا وأوروبا تمثله حركات مثل laquo;جيه استريتraquo; يدعم حل الدولتين وإحياء عملية السلام، وإذا ترافق ذلك مع مصالحة فلسطينية تدعم الموقف العربي، فإن عملية حصار غزة قد تتحول إلى حصار لنتنياهو ولإسرائيل.