جميل الذيابي
تمكن جهيمان العتيبي ومحمد القحطاني laquo;المهدي المنتظرraquo; في مطلع الثمانينات من التغلغل في الأوساط الرجالية داخل السعودية، ليكوِّنا مؤيدين وأنصاراً ويشكّلا تنظيماً تخريبياً ما لبث أن احتل الحرم المكي. كانت لقاءات جماعة جهيمان تتم داخل المساجد والأبواب الخلفية وما لبث هذا التنظيم التكفيري أن استباح دماء الأبرياء وأزهقها في ساحات المسجد الحرام مستخدماً السلاح.
منذ أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001، كانت كل التقارير تشير إلى وجود جماعات تكفيرية وخلايا نائمة داخل السعودية تؤمن بفكر laquo;القاعدةraquo; وتهدف إلى زعزعة أمن البلاد واستقرارها، حتى انفضح أمرها ونياتها بعد أن شنت موجة من التفجيرات ضد مجمعات سكنية في 2003، وما تبعها من تفجيرات استهدفت وزارة الداخلية في عقر دارها، ثم محاولة اغتيال مساعد وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف في آب (أغسطس) من العام الماضي. لم تخلُ البيانات الأمنية السعودية من وجود أسماء نساء عند القبض على عناصر من laquo;الفئة الضالةraquo;، وكانت تلك الأسماء خلال دهم شقة laquo;الخالديةraquo; في مكة المكرمة، أو عند القبض على عناصر من التنظيم تتنكر بعباءات أو أزياء نسائية.
ربما لا تغيب عن عين الرقيب الأمني في السعودية تحركات نساء يصفن أنفسهن بداعيات أو جاهلات، لكنه يصعب عليه اختراق المجتمعات النسائية، إذ ليس من السهل عليه معرفة ما يدور فيها من لغة تحريضية أو تكفيرية بحكم طبيعتها laquo;المغلقةraquo;. لم يتوانَ عناصر تنظيم laquo;القاعدةraquo; عن تنفيذ عمليات إرهابية خبيثة عبر إخفاء القنابل في حقائب وأحذية وملابس داخلية وفي مناطق حساسة من اجسادهم، حتى يصعب على أنظمة التفتيش والمراقبة في المطارات والنقاط الأمنية اكتشافها بهدف ازهاق مزيد من الأنفس البريئة وإثارة الرعب في قلوب الشعوب والحكومات. لا يتوقف التنظيم عن التفكير في ابتكار خطط جديدة لإزهاق مزيد من أرواح الأبرياء.
في مطلع شباط (فبراير) الماضي نشرت وكالة laquo;أسوشييتد برسraquo; تقريراً عن تخطيط تنظيم laquo;القاعدةraquo; لزرع laquo;قنابلraquo; في laquo;أحشاءraquo; انتحاريين و laquo;أثداءraquo; إرهابيات. وذكرت مصادر أمنية بريطانية أن جهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني (ام آي 5)، توصل إلى أدلة على أن التنظيم يخطط لمرحلة جديدة من العمليات الإرهابية من خلال انتحاريين، يتم إخضاعهم لجراحات يتم خلالها زرع قنابل داخل أجسادهم، لتفادي أجهزة المسح الضوئي التي لجأت إليها أوروبا وأميركا في أعقاب المحاولة الفاشلة لتفجير طائرة أميركية في يوم عيد الميلاد الماضي في أجواء ديترويت في الولايات المتحدة.
وكانت صحيفة laquo;ميل أون صاندايraquo; البريطانية نشرت قبل ذلك بيوم واحد، أن استخبارات الـ laquo;إم آي 5raquo; استخلصت معلومات من غرف دردشة عربية على شبكة laquo;الإنترنتraquo; تفيد بأن laquo;القاعدةraquo; تخطط لزرع قنابل ذكية صغيرة في أجساد إرهابيين. ونسبت الوكالة إلى مصدر أمني أنها ستزرع هذه القنابل في أثداء الانتحاريات بالطريقة نفسها التي تزرع بها مواد تضخيم الثدي. وذكر خبراء أن مادة Petn ستوضع في عبوات بحجم كيس الشاي ثم تغرس في الجسد وتتم إخاطة الجرح ويترك ليبرأ مثلما يحدث في أي جراحة.
وفي 10 شباط الماضي، نشر الزميل laquo;النشطraquo; ناصر الحقباني في laquo;الحياةraquo; تقريراً يحذر فيه باحثون مهتمون بمتابعة شؤون الجماعات الإرهابية من توجهات جديدة لـ laquo;القاعدةraquo; لإشراك نساء في عمليات انتحارية جديدة. بالأمس كشف تنظيم laquo;القاعدة في جزيرة العربraquo;، ومقره اليمن، عن تهديدات جديدة لاغتيال أمراء ووزراء ومسؤولين، مطالباً وزارة الداخلية السعودية بإطلاق سراح الناشطة في صفوفه هيلة القصير التي تمكنت من دعم التنظيم مادياً ولوجستياً خلال السنوات الماضية.
تعمل laquo;القاعدةraquo; على توسيع نطاق مشاركة المرأة في أعمال التنظيم، والانتقال بها من الدور اللوجستي، كالمساعدة في جمع الأموال واستمالة الأمهات والزوجات لتجنيد أبنائهن وأزواجهن، إلى المشاركة في العمليات الانتحارية، والمثال الحي القائم وجود وفاء الشهري وهيلة القصير ونشاطهن بين صفوفه.
ويأتي تجنيد المرأة واستغلال مظهرها داخل السعودية أقل كلفة من تجنيد الرجل، نظراً لتفضيل السلطات الأمنية عدم تفتيشها لطغيان ثقافة laquo;خصوصية المرأةraquo; وصعوبة إيقافها لخلع العباءة والنقاب، إضافة إلى انكفاء المجتمعات النسائية بحكم طبيعتها على نفسها، وفق العرف الاجتماعي، ما قد يسهل مهمة laquo;التكفيريينraquo; للدفع بنساء لتنفيذ غاياتهم الإجرامية. يجب ألا نعتقد للحظة واحدة أن الفكر الإرهابي الذي يقوم على تكفير الناس ويدعو إلى القتل سيتورع عن استغلال ظروف النساء، فهو لن يتوانى عن استغلال أي من القنوات المتاحة التي يسهل عليه من خلالها تحقيق أهدافه بأقل كلفة لشرعنة فكره وترهيب البلاد والعباد.
التعليقات