عبد الوهاب بدرخان


قبل عام، بعد خطاب الرئيس الأميركي في جامعة القاهرة، وعلى رغم كثير من المشاعر والمآخذ والشكوك، بدا العالم العربي والإسلامي كأنه يقول: quot;أهلاً أوباماquot;. وبعد عام على هذا الخطاب، بكل ما شهد من تطورات واختبارات يكاد العالم العربي والإسلامي يقول، إن لم يكن قال فعلاً: quot;باي باي أوباماquot;.

كان عنوان الخطاب quot;بداية جديدةquot;، وإذ اعتاد الأميركيون القول في إملاءاتهم السياسية إنهم يريدون أن يروا أفعالاً لا أقوالاً، فالأحرى أن هذه quot;البدايةquot; التي بشّر بها أوباما لم تبدأ بعد. ماذا لو اقترح أن يعود مجدداً إلى جامعة القاهرة ليلقي الخطاب منقحاً ويقول انسوا السنة التي فاتت، ولنبدأ من جديد لعل.. وعسى

كل النيات التي أبداها أوباما قبل عام لا تزال حسنة، أقل أو أكثر، وكل الأفكار التي عرضها لا تزال طيبة، وكل الكلمات لا تزال جميلة. لكن الواقع الذي كان سيئاً بسبب السياسات الأميركية في جانب كبير منه، لا يزال سيئاً أو ازداد سوءاً لأن هذه السياسات لم تتغير جوهريّاً. صحيح أن إلغاء بعض المصطلحات يعبر عن نقلة نوعية في التفكير، لكن المهم في النهاية هو أن الممارسات استمرت على منوالها المرفوض. وقد استطاعت إسرائيل أن تبرهن عمليّاً على ما جاء في ردود أفعالها الأولية على خطاب القاهرة، أي أن خطاباً بليغاً وجميلاً لا يمكنه أن يصنع عالماً جميلاً.

كان أوباما تفوَّه في ذلك الخطاب بالعبارة السحرية quot;لا يمكننا أن نفرض السلامquot;... وتولت إسرائيل مهمة إثبات أن هذا هو التعهد الأوبامي الوحيد الذي يجب أن يبقى في الأذهان. بل تولت مهمة إحباط كل المفاعيل الإيجابية للخطاب، وأظهرت رئيس الدولة العظمى رجلاً لا يملك أكثر من حفنة نيات طيبة لن تقدم ولن تؤخر. وعلى مرّ الشهور أشعلت إسرائيل شيئاً أشبه بـquot;حرب أهليةquot; داخل السياسات الخارجية الأميركية. تحدث نتنياهو عن ضرباته وانتصاراته في إجبار أوباما على التراجع عن quot;وقف الاستيطانquot;، وكيف أنه هدده بالكونجرس وبـquot;اللوبي اليهوديquot;. وردّت تسريبات البيت الأبيض بشذرات مختارة عن غضب أوباما واستياءاته، وكيف أنه وبَّخ نتنياهو، وترك لأعوانه إبلاغ الأخير لائحة مطالب الإدارة. ولم يلبِّ نتنياهو شيئاً منها حتى الآن.

كان أوباما وعد في خطاب القاهرة بالشفافية، بأن يقول علناً ما يقوله للإسرائيليين والفلسطينيين وراء الجدران. وكان له عتب على العرب أنهم لم يتعاونوا، ولم يساعدوه. لكن الأكيد أن العرب والفلسطينيين لم يوجهوا إليه أي إهانة، أما المؤكد فهو أنه اضطر كما اضطر نائبه ووزيرة خارجيته ومستشاره للأمن القومي إلى بلع الكثير من الإهانات الإسرائيلية. بل اضطروا إلى تحمل الكثير من الإحراجات التي بلغت أخيراً ذروتها مع جريمة القرصنة الدولية متمثلة بالهجوم الإسرائيلي على قافلة quot;أسطول الحريةquot;. هذه القافلة التي يفترض أن روحية خطاب أوباما وبعض أدبياته تعبر عن أهدافها. لكن أوباما ونائبه ووزيرته لبسوا الجريمة وتمترسوا وراء quot;مصالح إسرائيل الأمنيةquot; التي باتت تهددها بضعة أطنان من الغذاء والدواء ومواد البناء.

خسر أوباما وإدارته الكثير من أجل تغطية الجريمة وحماية إسرائيل من نتائجها وتداعياتها. وهو يستطيع أن يخسر بحكم سجل السوابق السيئة للسياسة الأميركية، لكن العرب الذين يطلب منهم التعاون والمساعدة لا يستطيعون أن يخسروا مثله، فالكلفة عليهم أكبر حتى لو لم تظهر بشكل سريع وتلقائي. ينسى أوباما مخطئاً، أن مشكلته ليست مع العرب، ولا حتى مع التطرف العربي والإسلامي على المدى البعيد، وإنما هي مع إسرائيل التي تعوّدت على quot;مشروعيةquot; أميركية تلقائية لجرائمها ولم تعد تتصور أنها عرضة للمحاسبة.

كل ما استطاعه أوباما، خلال عام، هو أن يرضي إسرائيل بالأفعال وأن يحاول بالأقوال شراء مصداقية أمام العالم. فموقفه من الاستيطان لم يتغير، لكن الاستيطان لم يتوقف. وموقفه العلني مع أمن إسرائيل، ما يعني أنه مع استمرار حصار غزة، أما موقفه في الكواليس فيقول إن الحصار quot;لا يمكن تحملهquot;. أي أنه يجوب في خريطة طريق تقوده إلى لا مكان.