ناصر المطيري


لاشك أن هناك اندفاعاً شعبياً عربياً متحمساً يصل إلى درجة laquo;السذاجة السياسيةraquo; في التعاطي مع دور تركيا في مواجهة اسرائيل لاسيما بعد أحداث أسطول الحرية وارتفاع حدة laquo;الصوت الأردوغانيraquo; ضد تل أبيب.

صحيح أن الموقف التركي تجاوز كثيرا المواقف العربية التي لاذت بالصمت المحرج وتقدمت أنقرة إلى الصف الأمامي في الدفاع عن غزة وفي التصدي لعنجهية نتانياهو ولكن بعيدا عن فورة الحماس الغوغائي علينا أن نعرف حدود الدور التركي وأبعاده ولا نغالي كثيرا فيما سيتحقق على الأرض .. وهنا لا ألوم الجماهير العربية المتعطشة للقيادة البطولية التي تشفي غليلها بالعدو التاريخي حيث تمثل أردوغان في اذهان عرب اليوم بدور جمال عبدالناصر الذي صفق له العرب من المحيط إلى الخليج..

علينا أن نعرف أن تركيا التي تعرضت لمجزرة اسرائيلية في عرض البحر لم تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع تل أبيب وهي ترتبط بعلاقات اقتصادية وشراكة استراتيجية مع اسرائيل ، كما أن تركيا مهما بلغت لهجتها المضادة لحكومة نتانياهو فإنها تبقى في إطار laquo;التنفيس السياسيraquo; الذي لا يمكن أن يتجاوز السقف الأميركي الداعم للدولة العبرية.

ثم ان تركيا لها حساباتها كلاعب على laquo;الحبلينraquo; الشرق أوسطي والأوروبي ولها حساباتها الاستراتيجية في اطار حلف الأطلسي يقابله حرصها على الإمساك بأهم الأوراق الاقليمية في الشرق الأوسط لتعزيز دورها المؤثر في المنطقة، وان هذا الدور التركي المتصاعد في المنطقة من شأنه أيضا ان يخلق حالة توازن قوى في مواجهة النفوذ الإيراني الأمر الذي يحقق مصالح أميركية غربية في كبح جماح التمدد الفارسي.

ومهما كان التيار الشعبي الجارف داخل تركيا المؤيد والداعم لحكومة أردوغان فعلينا ألا ننسى أو نغفل أن تركيا وإن كانت تدار اليوم بحكومة اسلامية معتدلة إلا أن ذلك محكوم بالقبضة العسكرية التركية العلمانية التي تحد من تمادي المواجهة مع اسرائيل مهما بلغ الأمر لأن الذاكرة التاريخية للأتراك لم تنس الموقف العربي المتواطئ للعرب مع الغرب خلال الحرب العالمية الأولى الذي أجهز على الدولة العثمانية وقسم التركة العثمانية بين بريطانيا وفرنسا على مائدة laquo;سايكس بيكوraquo;..

نعم ربما تستحق تركيا منا نحن العرب أن نسدي لها الشكر مؤقتا - على مواقفها في التعامل الحاد مع اسرائيل أولا ، وكشفها عورة الفعل العربي الفاضح ثانيا، لكن علينا أيضا ألا نصفق كثيرا أو نهتف طويلا لتركيا بل يجب أن ندقق النظر في الحسابات والمصالح السياسية والأهداف البعيدة والغايات غير المعلنة وما ستؤول إليه نتائج المواقف ومن سيقطف الثمار.