أبو ظبي ـ فاطمة عطفة

رغم مرور أجيال عدة على اغتصاب فلسطين ما زال الجيل الشاب من شعب فلسطين يتوهج وعيا ويزداد التزاما بانتمائه الوطني وبحقه في العودة.
الإعلامية الشابة ميسون عزام هي التي أيقظت في نفسي هذه الصورة المشرقة. السيدة أم ريان لم تولد في بيت أبيها داخل فلسطين ولا تفتحت طفولتها تحت أشجار زيتونها، لكنها مسكونة بالهوية والانتماء، حريصة على أن تزرع اسم فلسطين في خلايا ذاكرة أطفالها بكل المحبة التي تحملها للسلام والتفاهم والعيش المشترك بين الشعوب. وفي لقاء 'القدس العربي' معها، يتجدد الأمل الكبير، بدءا من فلسطين حتى يحتضن الوطن الكبير.
* نشأتِ في بيئة جغرافية واجتماعية مختلفة، ماذا بقي في ذاكرة ميسون من تلك المرحلة؟
* ميسون هي ابنة الشتات. من الإمارات العربية المتحدة، بلد المولد والمنشأ مرورا بلبنان بلد اللجوء وصولا إلى بريطانيا وجواز السفر بعد معاناة مع وثيقة السفر. ولكل بلد في ذاكرتي حكاية، فالشتات هو اللا استقرار، هو حكم بالغربة مؤبد يقضيه اللاجئ باحثا عن أرض تعطيه جزءاً من حق سلب منه بالقوة. الإمارات كانت ولا زالت بيتي. مهما غبت أعود إليها وكلي شوق إلى شعب احتضنني كفلسطينية قبل كل شيء. الإمارات كانت دائما داعمة للقضية الفلسطينية وللوافدين الفلسطينيين حيث كانت تستثنيهم من القوانين التي تصدر بحق الوافدين بصورة عامة، كما أنها لم تتخلَّ عن الفلسطينيين في حرب الخليج ولم تخذلهم. تعلمت العطاء من حكمة من أناديه كما يناديه أبناؤه الوالد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رئيس الدولة رحمه الله. قد يظن البعض أني في كلامي هذا أتملق، لكنها حقيقة عشتها وتلمستها خاصة بعد أن حرمت في لبنان كفلسطينية من أبسط حقوقي المدنية: كالصحة، والتعليم والعمل. لبنان، إن كنت سأختزلها في ذاكرتي، فهي الصداقة التي جنيتها هناك والصمود الذي يزداد يوما بعد يوم بصمود أهلها. أما بريطانيا، فهي جواز السفر الذي جعلني إنسانا معترفا به بكافة أنحاء العالم. بريطانيا أذاقتني طعم الحرية بعد أن كنت حبيسة وثيقة غير مرحب بها عربيا قبل أن تكون مرفوضة غربيا.
* البيئة الجغرافية والاجتماعية المختلفة، إلى أي حد تساعد في إغناء التجربة، أو أن لها تأثيرات معاكسة؟
* الشتات سيف ذو حدين: فمن جهة هو غربة إجبارية ترافقك مدى الحياة. ومن جهة أخرى انفتاح على الآخر، ولو فرضا، مما يوسع من الآفاق بحسب ما أرى. لا أعلم ماذا كانت ميسون لتكون لو كنا بقينا في فلسطيننا، في بلدتنا حطين قضاء طبرية. بمعنى آخر لا أعلم كيف كانت ستكون ميسون الداخل؟ وهل كانت لتصل إلى ما وصلت إليه الآن.. أم لا؟ لكني أعلم أن الشتات كان قاسيا، دفعني دائما لإثبات الذات، وربما كان هذا وراء نجاحاتي وتحقيقي لطموحاتي.
* ميسون، الإعلامية والمرأة العربية، عاشت في الغرب والشرق، كيف ترى اختلاف البيئة وتأثيرها على المرأة خاصة؟
* كامرأة لم أشعر بفرق شاسع بين الحياة في لندن وحياتي في دبي تحديدا، إلا فيما يتعلق بالمعاملات الحكومية والتي تضع المرأة الحلقة الأضعف هنا، بينما يكون الرجل هو المرجع في كثير من الأمور. وأتمنى أن يعيد القادة في الأمارات النظر في هذه القضايا لتتماشى الدولة مع الإصلاح والدور الذي تلعبه المرأة والذي أصبح يوازي، إن لم يكن يضاهي، دور الرجل. أما كأم، فالحق يقال أن الحياة الأسرية هنا في دبي أسهل بكثير من الحياة في الغرب بسبب ما تقدمه الدولة من تسهيلات تطال الكبار والصغار. مشكلتي كأم، تكمن بما بدأنا به من حديث وهو تربية أطفالي على حب وطن لا يلمسونه حتى على الورق. فبينما حظيت بشرف الحصول على وثيقة للاجئين الفلسطينيين مما يربطني ولو صوريا ببلدي الأم، ريان وجنى لم يحصلا عليه ويحملان جواز سفر بريطاني، مما يضعني في حيرة حول الطريقة التي يجب أن أوجههما فيها فيما يتعلق بالانتماء والهوية. لا أريد لطفليَّ أن يتشتتا كما كان الحال معي، وربما مع معظم اللاجئين الفلسطينيين. وفي الوقت نفسه، أريدهما أن يحملا القضية معهما ولأجيال قادمة. سأعمل جاهدة أن يكون أبنائي بريطانيي الممارسة وفلسطينيي الهوى. أما بالنسبة لي كإعلامية، فأعتقد أني حققت الكثير. فكنت المذيعة، الكاتبة، المحاورة إضافة إلى المراسلة الميدانية. طبعا هذا لا يعني أننا كإعلاميات نعيش في المدينة الأفلاطونية، لكننا أفضل حال عما كانت عليه زميلاتنا في السابق. ما أريده من الإعلام كامرأة، أن يتوقف عن النظر لنا كنساء أو كصورة استهلاكية، بل كقوة قادرة على العطاء. أما ما أريده من المرأة فهو أن تعلم أن عليها أيضا واجب أن تثبت نفسها وأن تطرح نفسها بقوة، كقيادية ومحللة وناقدة.
* الكتاب الذين عادوا إلى فلسطين كتبوا عن هذه التجربة، ومعظمهم ولدوا بعيدا عنها، ماذا كتبت ميسون؟
* لم أولد في فلسطين، لكنها ولدت في داخلي. هي محصلة ذكريات أبي وأمي. زيارتي الأولى لها كانت 'رحلة في ذاكرة لا أملكها' وهي مقال نشر على 'العربية نت' حول مشاعري تجاه بلدي الذي لا أعرفه، بلدي الذي ذهبت إليه سائحة أبحث فيه عن منزل أبي وأجدادي. لم يكن من السهل أن أواجه الاحتلال لكنه كان حتمي و'كان اللقاء' وهو مقال آخر كتبته عن لقائي بالمحتل. وثقت زيارتي إلى فلسطين ولقائي مع أهلي من طرف والدي في حطين وأهل والدتي في السميرية قضاء عكا، بالصوت والصورة، آملة أن أشارك المشاهد العربي في يوم ما هذه التجربة. طبعا كوني في الإعلام المرئي فقد قمت أيضا بتغطية نشاطات دعم لناشطين أجانب جاؤوا من كافة أنحاء العالم لدعم الفلاح الفلسطيني في وجه المستوطنين، إضافة إلى المظاهرات المنددة بالجدار في بلدة بلعين والتي تحولت إلى اشتباكات خلال وجودنا أطلق خلالها جيش الاحتلال القنابل المسيلة للدموع والصوتية.
* الإعلام مرتبط بالكتابة، ما هي الدوافع التي أوصلت ميسون للإعلام؟
* أنا منذ صغري صاحبة قلم، إذا صح التعبير لكني لست متفرغة لها. كتبت عدة مقالات منها ما نشر ومنها ما منع من النشر لكني لا أعطي الوقت الكافي لها، ليس لأني لا أريد لكن مشاغل الحياة كثيرة تبعدني عن القلم. هناك مقالات كثيرة عنونتها في عقلي وبحثت فحواها بيني وبين نفسي، لكني لم أكتبها. أعاتب نفسي دائما على هذا التقصير غير المقصود.
* في الصحافة الورقية، هناك مشكلة تعبئة الفراغ، نجد محررا سياسيا أو ثقافيا يكلف بتغطية حفل أزياء، هل بالإعلام المرئي يواجه مثل هذه المشكلة؟ وكيف تنظرين إلى أهمية التخصص؟
* في ظل النظام الاقتصادي العالمي الجديد والثورة التكنولوجية، إضافة إلى المنافسة بين المؤسسات لاسيما الإعلامية منها، أصبح من الضروري لأي شخص أن يكون متعدد التخصصات. وهنا لا أقصد فقط القطاعات المغطاة تحريريا وإنما أن تشمل مهاراته الجوانب التقنية أيضا. أنا أميل إلى أن يكون المحرر متخصصا بمجال محدد حتى يستطيع التركيز على كافة جوانبه، لكن يجب أن يكون أيضا منفتحا ومطلعا وبعمق على مجالات أخرى وقادرا على العطاء فيها. لا يمكننا أيضا أن نتجاهل حقيقة أننا تحولنا من الإعلام الرسمي المحلي إلى الفضائيات، وفي معظمها تجارية، وبالتالي فإن من مصلحة هذه المؤسسات توظيف رجل 'السبع صنايع' لتقليص نفقاتها. لم يعد تعدد التخصصات أمرا اختياريا، أصبح إجباريا في كافة المجالات. آلة فورد لم تعد المنافس الوحيد لليد العاملة وإنما البقاء الآن أصبح لصاحب الكفاءات المتعددة.
* كيف ترى ميسون طريق الخروج من الانقسام الداخلي الحاصل والتوجه إلى المستقبل والتحرير؟
* 'الانقسام الفلسطيني الفلسطيني ليس وليد اليوم ولو أنه أعمق عما كان الحال عليه في السابق وأكثر علانية. لقد انشقت الكثير من الحركات الفلسطينية على نفسها، وبالتالي ما نعيشه اليوم عشناه بالماضي. الفارق الوحيد هو أننا اليوم نفتقر للقيادة القادرة على إمساك مفتاح الوحدة. عندي الكثير من التحفظات على مسيرة الرئيس الراحل ياسر عرفات وأحمله جزءا لا بأس به من المسؤولية حول ما آلت إليه الظروف اليوم. لكن الحق يقال أنه كان قادرا على البقاء على مسافة واحدة من كافة الأطراف. إذا ما أردنا أن نعود إلى الوحدة ولو الشكلية، فعلينا أولا أن نخرج القضية الفلسطينية من الأيديولوجيات المختلفة التي لم تساعد بقدر ما فرغت القضية من فحواها. القضية الفلسطينية هي قضية أرض ووطن، وهذا ما يميزها ويعطيها القوة عالميا. على كل الأطراف أن تعلم أن السلطة ليست الهدف، لكن كان من المفترض أن تكون الطريق للوصول إلى حقوق الفلسطينيين ولو المنقوصة. أنا أقدس السلام ولو على جرح، وإذا ما نجحت مساعي السلام ونجحت السلطة في محاصرة إسرائيل بالسلام فعلينا أن نحترم الاتفاقات الدولية وأن نتفرغ في بناء الوطن. أعتقد أنه يتوجب علينا في هذه الفترة إعطاء السلام الفرصة، ولو الأخيرة، وبالنسبة لي الفرصة ليست لإسرائيل، ولأنها اليوم وفي الأمس تريد السلام، ولكن من أجل النقلة الإنسانية التي تحلت بها أمريكا بانتخابها أوباما. بحال باءت كل المحاولات بالفشل، فأعتقد أن الشعب الفلسطيني له الحق بمقاومة العدو، والمقاومة تكفلها الأعراف والقوانين الدولية كاملة. وبهذا الصدد أريد الإشارة إلى أننا استطعنا لفت أنظار العالم وتحريكه من خلال حجر طفل، وبالتالي إذا كانت المقاومة هي الخيار، فيجب أن تمارس بما يساعد في تحريك الرأي العام العالمي لا إثارته. نحن بحاجة للرأي العام في الغرب لأنه قادر إذا ما تحرك على إسقاط حكوماته من أجل التغيير. بمعنى آخر فاعل ولا نريد أن نتجاهله أو نخسره. ودعيني هنا أشير إلى أن المقاومة حق للجميع وليست ملكا أو حكرا على جهة دون غيرها.
* قضية فلسطين اكتسبت تقدما كبيرا على المستوى العالمي، لكنها تراجعت على المستوى العربي وصراع الأحزاب الفلسطينية؟
* للأسف فإن القضية الفلسطينية قرصنت من قبل عدد من الانتهازيين الذين سودوا من خلال فسادهم صورة القضية ومسارها. القيادة في السابق غضت الطرف لأسباب تعنيها عن الفساد فاستشرى بشكل لم تعد القيادات الجديدة قادرة على استئصاله بسهولة رغم المحاولات المبذولة حاليا. العرب ولسنوات عدة دعموا القضية الفلسطينية، وكانت دول الخليج تخصص مبلغا من رواتب الموظفين لدعم منظمة التحرير، لكن الفلسطينيين خذلوهم قبل أن يفعلوا هم ذلك. وإصلاح البيت الداخلي وتنظيفه هو الخطوة التي ربما تعيد بريق القضية الذي أطفئ من قبل متطفلين على القضية. أما بالنسبة للغرب فأعتقد أن حماقة إسرائيل في تعاملها مع ملف السلام، فضحها أمامهم. الغرب اليوم أصبح أحوج إلى إنهاء الصراع الفلسطيني، ليس حبا بالفلسطينيين، ولكن ليتفرغ لقضايا أخرى. لم ننجح في اكتساب دعم للقضية خارجيا، لكن إسرائيل فشلت في الحفاظ على صورتها في الخارج. ليس لذكائنا، ولكن لتعنتها.
* الإعلان أقل قيمة في المنظور الثقافي، لأنه مرتبط بالسوق والتجارة، كيف تنظر ميسون عزام إلى الدعايات التلفزيونية؟ ولماذا شاركت في الإعلان بعد تجربة إعلامية ناجحة؟
* هنالك فرق شاسع ما بين أن تتحول الإعلامية إلى فتاة إعلانات وبين أن تحمل رسالة تعمل من خلالها على تصحيح مفهوم خاطئ كان شائعا من قبل. إن شراكتي مع 'نسكافيه رد مع' يأتي في سياق تقديم الخبر، وبالتالي أعتبر أن قيمته كبيرة وعلى كل المقاييس، أن كانت الاجتماعية أو الصحية أو المهنية. لم يكن الهدف هو الإعلان بقدر ما هو أن أشارك في حملة بدأتها شركة 'نستلي' منذ عام بعنوان 'الحقيقة المخفية' حول فوائد القهوة التي أكدتها دراسات طبية مستقلة، تفند أفكار خاطئة تحيط بالقهوة في منطقة الشرق الأوسط. باعتبار أن الخبر صحي. ولكن كون القهوة ليست دواء، ارتأت الشركة أن تنقل الحقائق الإيجابيّة للقهوة من خلال شخصية إعلامية لها مصداقية تستطيع من خلالها معالجة سوء الفهم المتعلّق بهذا المنتج. ودعيني أن أقوم بدوري الآن كسفيرة هذه الحملة لأشير إلى ما أثبتته البحوث من أن احتساء القهوة الطبيعية كقهوة 'نسكافيه رد مع' بشكل معتدل لا يضرّ بالصحة بل على العكس، إذ أن احتساء ثلاثة أو أربعة أكواب من القهوة خلال اليوم الواحد مفيد للجسم، فهي المادة الأولى التي تحوي مضادات للأكسدة لكونها غنيّة بمركب يعرف بـ'البوليفينول'، بل إنّ مضادات الأكسدة الموجودة في القهوة تشكّل 60 في المئة من مضادات الأكسدة التي تدخل إلى جسم الإنسان. ومن هنا يتبيّن أنّ ما أقدمه مع 'نسكافيه رد مع' يندرج في سياق الأخبار. أنا لست فتاة إعلان، وهدفي ينحصر في إيصال خبر مثبت علميّاً، فضلاً عن أنّ الإعلان يسلّط الضوء على منتج 'نسكافيه رد مع' الذي أحبّه أصلاً. لقد حرصت شركة نستلي بقدر حرصي على آلا تتأثر صورتي الإعلامية في هذه الحملة. وأعتبر اختيارهم لي تقديراً لدور المذيع في مجتمعاتنا بصورة عامة، وتتويجا لعملي الإعلامي بصورة خاصة.