حسان حيدر


قد لا يمضي وقت طويل قبل ان تتمكن ايران من الالتفاف، ولو جزئياً، على مفاعيل قرار العقوبات الدولية الجديد، واستيعاب بعض تبعاته الاقتصادية والمالية، سواء عبر الأساليب نفسها التي اتبعتها في التحايل على قرارات العقوبات السابقة، او في ابتكار أساليب جديدة لا تخلو منها جعبة مخططي السياسة الايرانية. لكن، وعلى رغم تأكيد واشنطن انه سيكون للرزمة الجديدة تأثير فعلي وعلى نطاق واسع على طهران وانها ستشدد الطوق على اقتصادها ومؤسساتها العسكرية، فإن قوة القرار الجديد تكمن أساساً في رمزية إجماع القوى الكبرى عليه، بعدما كان بعضها، وخصوصاً روسيا والصين، تلكأ في التأييد أو امتنع عن التصويت في المرات السابقة.

هي اذا صفعة دولية الى النظام الايراني، وخصوصاً الى الرئيس احمدي نجاد، الذي نجح، خلال سنة واحدة من قرار المرشد خامنئي laquo;التمديدraquo; له، في استعداء العالم كله تقريباً، بما في ذلك اطراف لا تتفق مع سياسات الولايات المتحدة، بل ترى فيها احياناً تهديداً ومخاطر وربما مشاريع مواجهات، مثلما هو الحال بالنسبة الى نشر أنظمة دفاع صاروخية أميركية في شرق أوروبا، او تسليح تايوان.

سياسة التحدي التي واجه بها نجاد العالم وتصريحاته الصاخبة والمرتجلة التي لا تعكس التحفظ والدهاء المعتاديْن للمؤسسة الدينية الايرانية، ساهمت في نسج الإجماع على معاقبة بلاده. وباستثناء الدول الباحثة عن دور إقليمي على مثال تركيا، او الساعية الى laquo;المشاغبةraquo; على الأميركيين مثل البرازيل، او تلك المضطرة الى قول laquo;لعمraquo; كلبنان، فإن الدول الاعضاء الباقية في مجلس الأمن وما تمثله من مجموعات اقليمية، أيدت العقوبات.

والاشتباك الأخير الذي laquo;نجحraquo; فيه الرئيس الايراني والذي ستكون له تبعات مؤذية بدأت تباشيرها، كان مع روسيا التي حذرها من التحول الى عدو لإيران، وردت عليه بدعوته الى وقف laquo;الديماغوجية السياسيةraquo;. وقد أُعلن ان نجاد لن يشارك في قمة laquo;منظمة شنغهايraquo; للتعاون التي تضم الصين وروسيا وأربع دول من آسيا الوسطى، وتعقد في طشقند اليوم، على رغم ابداء ايران رغبتها في الانضمام الى هذا التجمع الاقليمي. ويرجح ان موسكو فضلت عدم وجوده. ولا بد ان اتفاقات معقودة بين البلدين ستكون الضحية التالية لهذا الاشتباك وللعقوبات معاً، سواء منها صفقة صواريخ laquo;أس300raquo; او تشغيل مفاعل بوشهر.

صحيح ان محاصرة ايران عملية صعبة ومعقدة وتتطلب جهوداً منسقة وطويلة الأمد، بسبب قوتها وثرواتها وحدودها المفتوحة على ست دول وثلاثة بحور، وبسبب نفوذها في مناطق تبعد عنها جغرافيا مثل لبنان وغزة، لكن العزلة الدولية من حولها تزداد، وهي مرشحة لدخول مراحل أشد اذا واصل القادة الايرانيون الاعتقاد أن سياسة المواجهة في الملف النووي أربح لهم، وبأن التصلب في الداخل والخارج هو الوسيلة الوحيدة لحماية نظامهم من التغيير، خصوصاً انه تحل بعد غد السبت ذكرى سنة على الانتخابات الرئاسية، والاضطرابات التي تلتها وأدت الى حملة قمع دموية للمعارضة المحتجة على التزوير فيها لا تزال مستمرة حتى اليوم، وقد تستعر اذا ما قرر المعارضون النزول مجدداً الى الشارع.

قرار العقوبات تذكير لطهران بأن عليها ان تتغير وتتخلى طوعاً عن استخدام العنف والمال والطموح النووي لفرض دورها الإقليمي، وإلا فإن هذه الوسائل في طريقها الى التآكل تدريجاً، وستجرف معها الدور المنشود.