سمير عطا الله


ذهبت إلى بروكسل، المرة الأولى، حوالي 1967 أو 1968. كانت مدينة منسية، وغير مرتبة إطلاقا، على أطراف فرنسا وألمانيا وهولندا. وكان فيها لغتان، من لغات جاراتها الكبرى: الفرنسية والهولندية، وقليل من بقايا الألمانية. كان معروفا عنها أنها مدينة المرتزقة وسوقهم الأولى. وعندما سمعت من صديق فيما بعد أن مقاهي بروكسل مكتظة بالمرتزقة الذاهبين إلى لبنان، قلت له: سوف تكون حربا طويلة وقبيحة.

نزلت في فندق دون نجوم، إلى جانب محطة القطار الشمالية. وكان أشهر مغن بلجيكي، أولا وأخيرا، يغني في ذلك الوقت أجمل أغانيه: laquo;أبي يقول إن ريح الشمال تعصف بدفء الحبraquo;. كل يوم، كان موظف الفندق، السمين الأصلع المتجمد الملامح مثل بلاط الأرصفة، يقول لي إن الفلاميين البلجيك أفضل بكثير من مواطنيهم الفرنسيين. كل يوم. وكان يقول لي، من دون أي مناسبة على الإطلاق، إن الفلاميين، جماعته، جديون يفضلون التجهم المنتج على الابتسامة غير المنتجة. وكنت أقول له في قلبي ما كانت تقوله المظاهرات العفوية في طرابلس لأميركا، مكتوبا على اليافطات، بخط نسخي لا جمال فيه.

بعد أعوام أصبحت بروكسل عاصمة الوحدة الأوروبية. وفي محطة الشمال كان الفلاميون والفرنسيون لا يزالون يكرهون بعضهم بعضا ولا يطيقون بعضهم بعضا ويريدون الانفصال.

كنت، بكل سذاجة، أشعر بالخوف عندما أرى انفصاليي بلجيكا وكندا يتقدمون ويحرزون السبق. وفي اللاوعي كنت أخشى أن يصيب هذا الوباء لبنان، حيث الانقسام مسلح ووحشي. لكنني اليوم أقول في نفسي: ربما أفضل لهذا العالم أن يتفتت، إذا كان في الوحدة كل هذا الحقد وكل هذه الجريمة والهمجية. فما معنى وحدة العراق إذا كان ثمنها مليون نفس بشرية كل عشرة أعوام. ولماذا هذه الوحدة الكريهة في رواندا إذا كان الوحدويون يقتلون مليون نفس بالسواطير. ولماذا وحدة كمبوديا إذا كان بول بوت سوف يحميها بثلاثة ملايين جمجمة.

استبدلوا الوحدات الوحشية القاتلة بانفصالات سعيدة. وليرفع كل فريق راية حقده على سطح منزله. وليذهب الفلاميون وفرنسيو كندا وباسك إسبانيا إلى الجحيم، أو إلى حيث يشاءون. فليذهبوا إلى خليج المكسيك. سباحة، هم وطيور مالك الحزين. فلتعد قبائل قبائل. كانت أفريقيا أسعد مليون مرة عندما كان عدد سكان الدولة في عدد سرب الحجال. أو البط. إليكم اليوم مليون مصاب بالإيدز. و5 ملايين قتيل في حرب الوحدة في الكونغو. تضربوا جميعا، أنتم وهكذا وحدة. فليعد الفلاميون إلى الكونغو وبوروندي ورواندا، حيث تركوا خلفهم الهوتو والتوتسي.