زينب حفني

لم تعد العمليات الانتحاريّة حِكراً على الرجال، بل دخلت المرأة هي الأخرى بقلب أسد ساحة التفجيرات. وقد كانت البداية في منتصف الثمانينات على يد اللبنانيّة سناء محيدلي المنتمية للحزب quot;القومي السوريquot;، ثمَّ توالت مشاركة المرأة في أنحاء العالم في حوادث مُشابهة. فعلى سبيل المثال جاءت نهاية رئيس وزراء الهند quot;راجيف غانديquot; على يد انتحارية تنتمي لـquot;نمور التاميلquot; قامت بتفجير نفسها في حفل انتخابي أقيم لـquot;راجيف غانديquot; بجنوب الهند.

هذه المشاركات تؤكد على أن المرأة نجحت في أن تستخدم جسدها الملغوم لإيصال رسالة ما إلى العالم. كما أدّت شجاعتها المفرطة إلى محو الصورة النمطيّة المرسومة في الأذهان بأن دورها محصور في إغواء آدم وجعله يدور في ساقية أنوثتها!

مخطئ من يظن بأن النساء غريبات على عالم السياسة أو عازفات عنه! بل على العكس من ذلك حيثُ كان للمرأة على مدار العصور أدوار فعّالة لا يُستهان بها في تغيير عجلة التاريخ. والملم بدهاليز السياسة يُدرك بأن المرأة لعبت أدوار مُشرّفة في النضال ضد الاستعمار، وفي تحريك الحياة السياسيّة في مجتمعها من وراء الكواليس. ومقولة quot;فتّش عن المرأةquot; عند حدوث فضيحة ما متعلقة بسياسي مخضرم، أو بمقتل شخصية مهمة ليست مبالغة فيها، فالعديد من التحقيقات كشفت بأن المرأة لها ضلع كبير في كتابة نهاية موجعة للعديد من مشاهير السياسة في العالم!

في الآونة الأخيرة، ومع بزوغ نجم الدعاة الذين يحلون ضيوفاً على القنوات الفضائيّة وأصبحوا ألمع من نجوم الفن والرياضة، انفتحت شهية الداعيات لولوج هذا العالم المغري! وأصبحن يُنافسن الدعاة وشيوخ الدين في تقديم برامج عن الدعوة والإصلاح! حتّى أن البعض صار يتهكّم بمرارة أن مجتمعاتنا العربية صار لكل أسرة فيها، داعية لنسائها، وشيخ يُفتي لها في أدق خصوصياتها.

أتذكّر مع بداية هوجة تحجّب الفنانات في مصر، أن عدد منهن أتى إلى السعودية لتقديم محاضرات وندوات دينيّة. وقامت بعض الأسر السعودية باستضافتهن في بيوتهن ليتحدثن عن تجربتهن. وحقيقة لم أفكّر يوماً في قبول أي دعوة وصلتني حينها لحضور أيٍ من هذه المناسبات، التي كنتُ أعتبرها من وجهة نظري دعاية مجانيّة لهذه الفنانة! إضافة إلى إيماني بأن التحجّب أو السفور هو قناعة شخصيّة قبل كل شيء، ولا يهمني من قريب أو بعيد معرفة التفاصيل، التي دفعت بفنانتنا إلى دنيا التوبة!

مع مرور الوقت ارتفعت أعداد الداعيات داخل السعودية، واتسعت دائرة مجالس التوعية الدينية، وزادت أرقام الندوات التي تُقام في البيوت والمؤسسات الخيرية والمساجد، وهو ما يستوجب الحد منها ومراقبتها عن كثب! فمن الواضح أن أغلبية الداعيات يجدن أرضاً خصبة لتمرير آرائهن المتزمتة، مما سيخلق أجيالًا عنيفة في المستقبل! فالمرأة تُشكّل نصف المجتمع وهي التي تربي أطفالها ويشبُّ أبناؤها على يديها خاصة بعد أن تضاءل دور الرجل لانهماكه في العمل ساعات طويلة خارج البيت لتوفير لقمة العيش.

أنا لا أُحمّل الداعيات وحدهن المسؤولية كاملة في انتشار فكر التطرّف بقدر ما ألوم نساءنا أنفسهن! فالمرأة لا بدَّ أن تُثقّف نفسها، وتُوسّع مداركها، وتحتكم لعقلها في تصريف أمورها، ولا تترك مصيرها ألعوبة في أيدي داعيات متطرفات لا همَّ لهن سوى ترهيب النساء، وأنهن سيؤولنَّ إلى الدرك الأسفل من النار إذا لم يتبعن نصائحهن!