نبيل بومنصف

بين انعقاد الجلسة التشريعية الاخيرة لمجلس النواب في مطلع الاسبوع وزيارة البطريرك صفير لزحلة في نهايته، شكل الاسبوع الماضي مادة رصد دسمة لما يمكن ان تنطبق عليه عملية quot;فحص دمquot; للمشهد المسيحي المتعامل مع الموقف الاقليمي الذي يحوط لبنان.
في هذا المشهد وفّر عامل التزامن بالمصادفة على الأرجح، إبراز مجموعة محطات متعاقبة تناوبت فيها quot;القوى الكبرىquot; المسيحية ذات القدرة الفعلية على ترجمة المزاج السياسي المسيحي واطلاقه على حقيقته على احتلال المنابر وتقدمها في رمية ربما يراها البعض مقصودة، والبعض الآخر عفوية. غير أنها في كلا الحالين جاءت لتعكس اعتمالا او احتقانا ذا أهمية حيال أفق اقليمي شديد الالتباس والخطورة، مما يفترض معه التعامل مع هذا quot;الاسبوع المسيحيquot; بغير النمط المعتاد من التسطيح الانفعالي.
وتشاء المفارقة الزمنية ايضا وايضا، ان يأتي quot;عرض القوىquot; هذا، ولو من باب إثبات الحضور والحيثيات والمواقف، بعد سنة تماما على حزيران الانتخابات النيابية في العام الماضي، فاذا ما بين حزيران وحزيران ثابت واحد تقريبا في المشهد اللبناني برمته هو ان امتلاك المجموعات المسيحية لميزة التعددية السياسية بات يوفر لها ميزة أخرى رديفة لا تقل أهمية هي قدرة التحرر في التعبير السياسي اكثر من سائر المجموعات الاخرى، لا بل القدرة على كسر المحظورات والممنوعات وتجاوز الأطر الجامدة والمعلبة للتحالفات السياسية نفسها، ولو ان ذلك لا يلغي في أي شكل من الاشكال واقع الانقسام العمودي عند المجموعات المسيحية.
وباب المقارنة يصح هنا من زاوية أن المسيحيين كانوا في حزيران 2009 المحرك الدافع للمعارك الانتخابية في كل لبنان كاستحقاق أساسي في رسم وجهة السياسة الداخلية حتى سنة 2013، في حين تنبىء المحطات المسيحية التي تعاقبت في الاسبوع الماضي، كعينات عن التعبير السياسي، بأن القوى المسيحية تسارع قبل سواها الى quot;الانكشافquot; أمام القلق الاقليمي بدليل انها لا تجد سبيلا الى التأثير في مجريات هذا القلق الا في التعبير الاستباقي عنه والمتفلت من قيود الآخرين وضوابطهم.
وفي هذا السياق تندرج محطات الاسبوع الماضي، من مطلعه الى نهايته، تحت خانة quot;النبرة العاليةquot; الاستثنائية. ففي جلسة مجلس النواب بدا التكتل النادر للقوى المسيحية في مواجهة quot;سلقquot; الحقوق الاجتماعية للفلسطنيين وتمريرها على عجل، نبرة اعتراض لاثبات هاجس تاريخي لا يبدله الاصطفاف التقليدي الراهن وتقلباته. وفي اليوم نفسه وعلى السطح السياسي اياه، خاض quot;التيار الوطني الحرquot; المتقاطع مع قوى 14 آذار في معركة الحقوق الفلسطينية، معركة على حسابه الخاص لمنع اسكات صوته المتلفز، بنبرة اعتراضية لا تقل حدة.
وغداة هذه الجلسة، لم تحل الممنوعات الواقعية المعروفة في الواقع السياسي القسري دون طرح الرئيس أمين الجميل مسألة الحياد في جولة الحوار الاخيرة، كنبرة اعتراض ايضا على دوران الحوار في فلك الممنوعات. ولم تكن الجولة الخارجية للدكتور سمير جعجع سوى انعكاس لنبرة المواجهة بازاء نغمات العزل والاستفراد مجددا.
وذروة النبرة الاعتراضية العالية جاءت مع مجموعة المواقف الاعلامية الكثيفة للبطريرك الماروني خلال زيارته لباريس، ولو أن للبطريرك خصوصيته الفريدة الشخصية والكنسية والوطنية التي تحتم دائما التعامل مع مواقفه بغير المقاييس التي تنسحب على القوى السياسية والحزبية.
هو مشهد يصعب الحكم مسبقا على مفاعيله المسيحية او اللبنانية الاشمل نظرا الى خطورة التسرع في استقراء ما يحوط الوضع اللبناني في هذه المرحلة الشديدة التعقيد والالتباس. ولكن خلاصة أساسية يمكن سوقها في هذا الاطار، هي ان منسوب الاعتراض المسيحي المتعدد الجانب ما كان ليرتفع لو أن quot;إدارة السلطةquot; بكل مكوناتها الاخرى تتعامل مع القلق الاقليمي بأخطاره الماثلة والمتشعبة بالكفاءة او الثقة التي لا توجب رفع الأصوات.