خيرالله خيرالله

من المفيد أن يزور الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد عمرو موسى قطاع غزة مؤكداً أن العرب يعملون كل ما في استطاعتهم عمله لفك الحصار الظالم الذي تفرضه إسرائيل على القطاع وأهله. ارتدت زيارة الأمين العام للجامعة أهمية خاصة نظراً إلى أنها جاءت بعد أيام من تصدي إسرائيل بالقوة لسفن laquo;أسطول الحريةraquo; أوّلاً وإلى أنها الأولى من نوعها للمسؤول الأول في جامعة الدول العربية منذ فترة طويلة جداً ثانياً وأخيراً.
قتل الجنود الإسرائيليون تسعة مواطنين أتراك كانوا على إحدى السفن التي سعت إلى كسر الحصار المفروض على القطاع. إذا كان من إيجابية لمغامرة laquo;أسطول الحريةraquo;، التي يبدو أن الذين يقفون خلفها درسوها بعناية، فإن هذه الإيجابية تتمثل في أنّ المجتمع الدولي، على رأسه الإدارة الأميركية، صار مضطراً للبحث عن طريقة لفك الحصار عن غزة، أقله من أجل تخفيف معاناة أهلها الذين يرزحون منذ ثلاثة أعوام تحت سلطة laquo;حماسraquo; التي نفّذت منتصف يونيو من العام 2007 انقلاباً مكّن ميليشياتها المدعومة من إيران من وضع اليد على القطاع.
عملت laquo;حماسraquo; كل ما تستطيع، منذ ما قبل تنفيذ انقلابها، من أجل تبرير إرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل وذلك بحجة أنها تريد استخدام غزة، خصوصاً منذ الانسحاب الإسرائيلي منها صيف العام 2005 من أجل تحرير فلسطين، كلّ فلسطين، متجاهلة موازين القوى المحلية من جهة وأن كل همّ إسرائيل محصور في تكريس الانقسام الفلسطيني- الفلسطيني من جهة أخرى، إضافة إلى البحث، في طبيعة الحال، عن طرف يطلق صواريخ laquo;القسّامraquo; المضحكة- المبكية من أجل رفع شعار laquo;المقاومةraquo; عالياً... وكأنّ الشعارات تحرر فلسطين.
الواقع أن الاستيلاء على غزة لم يكن له سوى هدف واحد يتلخص بالرغبة في تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني بدل العمل على إزالة الاحتلال. لا هدف لـlaquo;حماسraquo; سوى إقامة laquo;الإمارة الاسلاميةraquo; في غزة. الدليل على ذلك واضح كل الوضوح. انسحبت إسرائيل من جانب واحد من القطاع في العام 2005. فعلت ذلك من دون أي نوع من التنسيق مع السلطة الوطنية الفلسطينية. كان مطلوباً احراج السلطة. هذا ما كشفه دوف فايسغلاس مدير مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون الذي قال وقتذاك ان الانسحاب من كل غزة، وتفكيك المستعمرات تفكيكاً كاملاً استهدف الامساك بطريقة أفضل بالضفة الغربية والقدس الشرقية. المؤسف أن رد فعل laquo;حماسraquo; على الانسحاب الإسرائيلي من غزة صبّ مباشرة في خدمة السياسة الإسرائيلية الساعية إلى تعميق الهوة بين الضفة والقطاع، وتكريس الاحتلال لجزء من الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية. ما يحصل يومياً على الأرض يؤكد ذلك. لن يتغيّر شيء حتى لو رفع الإسرائيليون الحصار عن غزة التي تعتبر من وجهة نظر الخبراء ساقطة عسكرياً نظراً إلى أنها مطوقة من كل الجهات. هذا ما يفترض في الأمين العام لجامعة الدول العربية قوله لـ laquo;حماسraquo; وغير laquo;حماسraquo;.
بكلام أوضح وأكثر صراحة، ما الذي سيتغير إذا فتحت إسرائيل كل منافذ العبور إلى القطاع وسمحت بإعادة تشغيل الميناء والمطار، هل ستتدفق الأسلحة على المقاتلين الفلسطينيين بما يسمح لهم بشن حرب شاملة في المستقبل القريب تعيد القدس وحيفا ويافا وتل أبيب؟
بعض المنطق يبدو ضرورياً هذه الأيام. لعبت تركيا، مشكورة، عبر رعايتها laquo;أسطول الحريةraquo; دوراً في جعل العالم يلتفت إلى مأساة غزة وإلى ضرورة إعادة النظر في الحصار. ولكن ما يبدو مطلوباً أكثر من أي وقت استعادة العرب للمبادرة. لا عيب إذا وجد من يقول علناً ان القضية الفلسطينية تتجاوز غزة وان المطلوب اليوم قبل غد الانتهاء من الحالة الشاذة المتمثلة في وجود كيان مستقل ولد خلافاً للطبيعة وتحول laquo;إمارة اسلاميةraquo; تهدد مستقبل القضية ككل.
ما قد يكون مفيداً أكثر من زيارة الأمين العام لجامعة الدول العربية لغزة صدور موقف عربي يسمي الأشياء باسمائها. يقوم مثل هذا الموقف على أن القضية الفلسطينية كل لا يتجزّأ، وأن الدولة الفلسطينية تعني الضفة الغربية وغزة كوحدة جغرافية وأن الانسحاب الإسرائيلي من القطاع إلى الحدود الدولية مجرد بداية وليس نهاية القضية.
يفترض في أي طرف عربي الابتعاد عن المزايدات وتفادي الوقوع في الفخ الإسرائيلي. لا شك أن laquo;أسطول الحريةraquo; أدى خدمة للغزاويين. لكن هذه الخدمة لا يمكن أن تكتمل من دون جهد عربي يصب في احياء المشروع السياسي الفلسطيني القائم على خيار الدولتين. نقطة الانطلاق لعملية احياء المشروع هي المصالحة الفلسطينية- الفلسطينية القائمة. ولكن مع التنبه إلى أن لا وجود لشيء اسمه مصالحة من أجل المصالحة. المصالحة تعني قبل أي شيء آخر وضع حدّ لوجود كيانين فلسطينيين، ولوجود حكومة مقالة تدير غزة من دون مشروع سياسي واضح باستثناء الشعارات والمزايدات والدعوات إلى الاعتراف بها كما لو أن الادارة الأميركية جمعية خيرية.
مرة أخرى، هناك مشروع واحد يستطيع الفلسطينيون أن يحققوا من خلاله شيئاً ما. اسم هذا المشروع البرنامج السياسي لـ laquo;منظمة التحرير الفلسطينيةraquo;. كل ما عدا ذلك إضاعة للوقت ودخول في لعبة تؤدي في نهاية المطاف إلى استخدام الشعب الفلسطيني وقوداً في معارك لا علاقة له بها من بعيد وقريب، بما في ذلك لعبة احراج مصر، كما لو أن احراج مصر يمكن أن يفيد القضية الفلسطينية في شيء، أو أنه كفيل بتحويل غزة laquo;هانوي العربraquo;.
من الضروري أن يبذل العرب كل ما في استطاعتهم لفك الحصار عن غزة. ولكن من الضروري أيضاً أن يكون هناك من يؤكد لـlaquo;حماسraquo; أن عملية الهروب إلى أمام لا يمكن أن تستمر إلى ما لانهاية، وأن laquo;أسطول الحريةraquo; أدى الغرض المطلوب. لابدّ الآن من الافساح في المجال للسياسة. لن تكون دولة فلسطينية يوماً إلاّ عن طريق المفاوضات. ولا يمكن أن تكون مفاوضات من دون برنامج سياسي واضح مقبول من المجتمع الدولي يواجه به الفلسطيني حكومة بنيامين نتانياهو وتطرفها... والباقي تفاصيل وإضاعة للوقت في مرحلة حرجة تمر فيها المنطقة!