بيروت

أفسحت السياسة في عطلتها امس، لحدث ديني كبير احتفلت به الطائفة المارونية في لبنان برعاية مباشرة من الفاتيكان، مع الاحتفال الضخم الذي اقيم في كفيفان (البترون الشمال) بإعلان الراهب اللبناني الاخ اسطفان نعمة طوباوياً.
ورغم الطابع الديني الصرف لهذا الاحتفال، فان استقطابه لحشود فاقت المئة ألف مؤمن تقدمهم حضور رسمي كبير على رأسه رئيسا الجمهورية والحكومة ميشال سليمان وسعد الحريري ادخل laquo;تلويناًraquo; بارزاً على المشهد اللبناني العام خصوصاً انه اعاد الى الذاكرة الغنى الروحي والديني للطائفة المارونية بالاضافة الى حضورها السياسي القوي، عبر بلوغ عدد القديسين والمطوبين منها الاربعة في العقود الاخيرة، وهو امر يكتسب في دلالته الدينية المسيحية بعداً كبيراً للغاية على صعيد ضخ الوجود المسيحي في لبنان بعامل الثقة والاصالة في الانتماء الى ارضه.
وقد شكل حضور رئيس الحكومة الى جانب رئيس الجمهورية الاحتفال نقطة مميزة في الايحاءات والدلالات التي يعطيها موضوع التعايش اللبناني ورفع لواء لبنان نموذجاً لحوار الحضارات والاديان والثقافات، والذي طرحه كل من الرئيسين سليمان والحريري في زياراتهما للأمم المتحدة والفاتيكان.
اما بالعودة الى اليوميات السياسية اللبنانية، فان الاوساط النيابية والحكومية استعدت لجلسة تعقدها اليوم اللجان النيابية المشتركة للنظر في ملف قانون الموارد النفطية للبنان في ضوء مساع جرت في الايام الاخيرة للتوفيق بين وجهتي نظر كل من الحكومة ورئيس المجلس النيابي نبيه بري حيال ازدواجية التشريع الجارية في هذا لملف. فالحكومة تدرس مشروع قانون منذ مدة في هذا الصدد وعضو كتلة بري النيابية علي حسن خليل تقدم باقتراح قانون مماثلاً الى المجلس مما جعل الامر يظهر صراعاً ضمنياً على هذا الملف.
على ان laquo;الوساطةraquo; التي تولاها وزير الطاقة والمياه جبران باسيل بين رئيسيْ البرلمان والحكومة بدا انها أفضت الى تفاهم على ان تشارك كل الكتل النيابية في اجتماع اللجان المشتركة برئاسة بري اليوم. ولم تستبعد مصادر ان يتخلل الجلسة إبلاغ رئيس مجلس النواب ان اللجنة الوزارية المكلفة متابعة المشروع المطروح من الحكومة ستجتمع غداً بهدف الاسراع في انجاز المشروع واقراره في مجلس الوزراء ليحال على مجلس النواب فيأخذ طريقه الى اللجان تمهيداً لمناقشته واقراره في جلسة عامة.
وقد تحدث باسيل في تصريح صحافي عن laquo;جو ايجابي وعن اقتناع الجميع بأن اقرار قانون التنقيب عن النفط يحتاج الى ان ينجز في الحكومة وان يصوّت عليه في مجلس النواب. فالجميع مقتنعون بأن الاطراف قاطبة موجودة في الحكومة كما في المجلس وستتعاون من اجل اقرار هذا القانونraquo;.
وكشف النائب ياسين جابر (من كتلة بري) عن الخطوط العريضة للمخرج الذي سيُعتمد لتشريع قانون التنقيب، اذ قال laquo;لن يكون هناك خلاف ولكن وحسبما افدنا انه قد تكون هناك جلسة مستعجلة للجنة الوزارية التي تعنى في موضوع القانون لاجل تصديقه في مجلس الوزراء واحالته على مجلس النواب، ولا مانع ان يباشر البرلمان البحث في اللجان المشتركة في اقتراح القانون ومتى احيل المشروع من الحكومة يمكن ضمه والاقتراح الى بعضهما البعض وان تسير الامور الى الامامraquo;.
ولفت موقف لنائب laquo;حزب اللهraquo; علي فياض اعتبر فيه laquo;أن تعزيز التفاهم الوطني هو ضرورة للنجاح في مقاربة ملف التنقيب عن الطاقةraquo;، معتبراً ان laquo;التهديدات الخطيرة التي اطلقها الاسرائيليون لا تعتدي فقط على موارد لبنان وحقه في موارده الطبيعية انما ايضا على حدوده البحريةraquo;.
وشدد فياض على laquo;أن هذا الملف يحتاج الى تعزيز التفاهم الوطني ولا يجوز مقاربته عبر تعميق الانقسامات لان اللبنانيين جميعا سيدفعون الثمنraquo;، داعيا الى laquo;تضافر الجهود في توفير الاطارين التشريعي والاجرائي الضروريين لمقاربة هذا الملف بما يساعد اللبنانيين جميعا على استكمال موارد بلدهم على نحو مثمرraquo;. واعتبر ان هذه هي الخطوة الاولى وlaquo;لا يزال امامنا الكثير من التعقيدات التي يجب ان نواجههاraquo;، مشيرا الى laquo;ان في جعبة اللبنانيين الكثير من المعادلات التي خبرناها جيدا ونجحت في الدفاع عن حق لبنان وموارده وسيادته في مواجهة الأطماع الاسرائيليةraquo;.
وفي انتظار ما ستظهره جلسة اللجان اليوم على هذا الصعيد، لا تنفي اوساط مواكبة لمسار الحركة السياسية قلقها من تصاعد ملامح التجاذبات في اروقة الحكومة والبرلمان حيال مختلف الملفات المطروحة، وخصوصاً تلك التي تطاول ملفات ذات وجه اقتصادي او اجتماعي.
وتقول هذه الاوساط ان الازمة الطويلة مثلاً لمسألة اضراب الاساتذة الثانويين عن تصحيح المسابقات الرسمية وعدم ظهور اي مرونة في مواقفهم باتت تشي بدخول عناصر مسّيسة على تحركهم، خصوصاً مع حديث عن صيف مطلبي حار يروج له بعض الاوساط القريبة من قوى 8 مارس في ضوء الاستعداد لحوار آخر بين الحكومة والاتحاد العالمي العام.
وتخشى هذه الاوساط من معادلة لافتة تتمثل في المضي الى الضغط على الحكومة ضمناً من جانب قوى مشاركة فيها في حين تقترب استحقاقات ذات طابع اقليمي بارز الامر الذي يعيد اللعبة الداخلية الى دائرة الابتزاز والضغط بعناوين ظاهرها داخلي وباطنها خارجي. وليس ادل على ذلك من الحملات التي تتجدد فجأة من دون مقدمات او مبررات مباشرة على بعض المواقع كرئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة.
وتعتقد الاوساط نفسها ان هذا المنحى مرشح للتصاعد في ضوء شعور بعض القوى الداخلية ان التنسيق الجاري بين رئاستي الجمهورية والحكومة مع دمشق ربما يطاول بعض مصالحها على المدى البعيد.
ولفت امس ان صحيفة laquo;الوطنraquo; السوريّة ذكرت أن laquo;الإتصالات التي ستجري في اليومين المقبلين بين دمشق وبيروت سيتحدد في ضوئها الموعد المقبل لزيارة رئيس الوزراء سعد الحريري والوفد الوزاري لدمشقraquo;، مشيرة الى أن laquo;الموعد المبدئي لزيارة الحريري قد يُحدّد بين الخامس والسادس من يوليو المقبل، بعدما إنتهت اللجنة الإدارية والتقنية من وضع الملاحظات على 15 اتفاقاً، وتجهيز ثمانية إتفاقات أخرى لوضع اللمسات الأخيرة، وذلك من أصل 148 اتفاقاً وبروتوكولاً ومذكرة تفاهم وبرنامجاً تنفيذياًraquo;.
وذيكر ان رئيس مجلس النواب نبيه بري يتوجّه غداً الى العاصمة السورية للمشاركة في اعمال الدورة الاستثنائية لمؤتمر اتحاد برلمانات الدول الاسلامية على مستوى الرؤساء والتي تتركز على فك الحصار عن غزة.
ولم تحجب مجمل هذه العناوين الأنظار عن laquo;العرسraquo; الديني والوطني الذي عاشه لبنان امس في يوم الاحتفال بإعلان الراهب المارونيّ الأخ اسطفان نعمة طوباوياً في دير كفيفان الذي تحوّل ساحة التقاء ومساحة لتفاعُل لبناني laquo;نادرraquo; ولا سيما في ضوء مشاركة الرئيس الحريري الشخصية وغالبية الوزراء، وحضور شخصيات سياسية من مختلف التيارات والأحزاب المسيحية.
وفيما حضر، اضافة الى الرئيس سليمان، الرئيس السابق أمين الجميّل، ورئيس الهيئة التنفيذية لـraquo;القوات اللبنانيةraquo; سمير جعجع، برز غياب زعيم laquo;التيار الوطني الحرraquo; النائب العماد ميشال عون رغم مشاركة عدد كبير من قادة تياره ونواب كتلته، كما لم يحضر رئيس تيار laquo;المردةraquo; النائب سليمان فرنجية.
وكان منظمو احتفال التطويب وآلاف المؤمنين laquo;وصلوا الليل بالنهارraquo; استعداداً لهذا الحدَث الذي ترأسه رئيس مجمع دعاوى القديسين المطران انجلو اماتو ممثلا البابا بنديكتوس السادس عشر، في حين احتفل بالذبيحة الالهية البطريرك الماروني الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير في حضور عشرات آلاف المؤمنين الذين تقاطروا من مختلف المناطق اللبنانية ودول اغترابية ليكونوا شهودا على ولادة قديس جديد من لبنان انضم الى شربل ورفقا والحرديني.
واعلن الكاردينال اماتو، المكرم نعمة طوباويا جديداً على ان يحتفل في عيده كل سنة في 30 اغسطس laquo;يوم ولادته في السماءraquo;، قبل ان تُرفع الستارة عن صورته المثبتة على جدار دير كفيفان وسط تصفيق الحضور وقرع الاجراس في مختلف أرجاء قضاءي البترون وجبيل ولا سيما لحفد (مسقط الطوباوي).
وفي العظة التي القاها خلال القداس الذي ترأسه، شكر البطريرك صفير الله laquo;على النعمة التي افاضها علينا من خلال إعلان الأخ اسطفان نعمة طوباويا في هذه الفترة التي نحن بأشد الحاجة اليهاraquo;، قائلا ان laquo;كل الناس مدعوون الى القداسة التي طريقها ضيق كما قال السيد المسيح وقد دخل الاخ اسطفان نعمة الى القداسة عبر هذا الباب الضيقraquo;، مضيفاً laquo;نفرح بالقديسين خاصة اذا كانوا من بيننا وعاشوا مثلنا على هذه الارض خيرة ولكن فرحتنا ستكون عارمة اذا سرنا على هديهم ووفق مسيرتهمraquo;، مرحباً laquo; بفخامة رئيس الجمهورية ودولة رئيس الحكومة في هذا الاحتفال الديني الذي شئتم ان تشتركوا معنا فيه ومع الشعب اللبناني، وبخاصة المسيحيraquo;.
ويذكر ان غالبية بلدات البترون وجبيل، ارتدت laquo;ثوب الفرحraquo;، ورفعت اقواس النصر والاعلام اللبنانية وصور المطوّب والبطريرك صفير والرئيس سليمان والقديس مارون.
كذلك رفعت البلديات لافتات مرحبة بصفير وسليمان كتب عليها: laquo;سنبقى دائما اوفياء لبكركيraquo;، laquo;ابواب الجحيم لن تقوى على بكركيraquo;، laquo;عهدكم ازدهار وسلام وعطر قداسة يا فخامة الرئيسraquo;، كما كانت لافتات ترحيب بالرئيس الحريري.
وقد واكبت الاحتفال اجراءات أمنية استثنائية من الجيش وقوى الامن الداخلي.